بوابة بالعربي

الخشت: الدولة الوطنية خط الدفاع الأول ضد التطرف وتجديد الخطاب لا يكون دون عقل منفتح

الثلاثاء 29 أبريل 2025 10:10 صـ 1 ذو القعدة 1446 هـ
الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة السابق
الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة السابق

في محاضرة فكرية نوعية ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، ألقى الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة السابق وعضو المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، محاضرة تحت عنوان: "العقل الجامد والعقل الفعال وإشكالية تجديد الخطاب الديني"، وذلك بجناح جامعة محمد بن زايد تحت إشراف المفكر الإماراتي الدكتور خليفة الظاهري، مدير الجامعة.

واستعرض الدكتور الخشت خلال محاضرته إحدى أهم الإشكاليات المعاصرة في الفكر العربي الإسلامي، موضحًا أن الأزمة الفكرية الحالية تتمثل في صراع بين نمطين معرفيين: الأول تقليدي جامد يقوم على النقل والاتباع، والثاني عقلاني تجديدي يسعى لفهم الدين في ضوء مستجدات العلم والمعرفة وتحولات الواقع، دون المساس بجوهر النصوص وثوابتها.

وأكد الخشت أن "عقل التقليد" رسّخ سلطة المرجعيات التراثية على حساب الاجتهاد العقلي، مما أدى إلى تجميد الفكر الديني، في حين يدعو "عقل التجديد" إلى إعادة قراءة النصوص المقدسة من منطلق مقاصدي ينسجم مع القيم العليا للإسلام مثل العدل والرحمة وحرية الإرادة، ومع ضرورات الدولة الوطنية الحديثة.

وأشار إلى أن تجاوز الأزمة الراهنة لا يمكن أن يتم دون قطيعة معرفية مع أنماط التفكير المغلقة التي لا ترى في النصوص إلا ظاهرها، موضحًا أن القراءة التأويلية للنصوص ينبغي أن تُدمج بين مقاصد الشريعة وأدوات التحليل المعرفي الحديث.

وفي هذا السياق، عرض الدكتور الخشت دور علم الهرمنيوطيقا المعاصر بوصفه أداة محورية في تجديد الخطاب الديني، حيث يوفّر هذا العلم إطارًا لفهم النصوص ضمن سياقاتها التاريخية والاجتماعية واللغوية، مستعينًا بأدوات فلسفية ولسانية ونفسية. ولفت إلى أن التأويل التقليدي بقي حبيس النصوص وقواعد اللغة، في حين أن المنهج التأويلي الحديث يسمح بفتح آفاق جديدة أمام الفهم الديني المستنير.

وخلال المحاضرة، أكد الدكتور الخشت على أهمية الدولة الوطنية كإطار جامع للمجتمع، مشيرًا إلى أنها تضمن الاستقرار، وتحمي الحقوق، وتؤسس لمرجعية قانونية موحدة، مضيفًا أن غيابها يفضي إلى صعود النزعات الطائفية وتفكك الكيانات السياسية، مما يجعلها خط الدفاع الأول ضد التطرف والتشدد.

وشدد الخشت على أن الحفاظ على الدولة الوطنية وبنيتها المدنية الديمقراطية يمثل أولوية استراتيجية في سياق الإصلاح الديني، داعيًا إلى دعم الدولة الحديثة باعتبارها الحاضنة الشرعية الوحيدة للتنوع والتعدد وضمان الحقوق والحريات.

واختتم الدكتور الخشت محاضرته بالتأكيد على أن تجديد الخطاب الديني ليس مجرد تطوير لغوي أو تبسيط للمفاهيم، بل هو مشروع معرفي شامل يتطلب أدوات علمية متقدمة، ومقاربات فكرية تتعامل مع الوحي الإلهي بوصفه مصدرًا متجددًا للمعنى، مرتبطًا بالزمان والمكان، ومنفتحًا على التحديات المعاصرة.