بوابة بالعربي

من ”الشموع السوداء” إلى رئاسة الأهلي.. محطات لا تُنسى في حياة المايسترو صالح سليم

الثلاثاء 6 مايو 2025 02:47 مـ 8 ذو القعدة 1446 هـ
صالح سليم
صالح سليم

في السادس من مايو عام 2002، ودّعت مصر واحدًا من أعظم رموزها الرياضية والثقافية، حين غيّب الموت الكابتن صالح سليم، المعروف بلقب "المايسترو"، بعد مسيرة استثنائية تركت أثرًا بالغًا في ميادين الرياضة والفن والإدارة. ورغم أن صورته الأبرز ارتبطت بالنادي الأهلي لاعبًا ورئيسًا، فإن الوجه الآخر لصالح سليم يكشف عن شخصية متعددة الأبعاد، جمعت بين الحس الإبداعي والانضباط الإداري والإنسانية الرفيعة.

صالح سليم.. الرياضي الذي تألق على الشاشة الفضية
بعيدًا عن المستطيل الأخضر، خاض صالح سليم تجربة فنية متميزة في حقبة الستينيات، حيث شارك في أفلام عدّة تركت بصمة واضحة في السينما المصرية، أبرزها فيلم "الشموع السوداء" عام 1962، الذي وقف فيه أمام المطربة نجاة الصغيرة مؤديًا دور رجل ضرير يعاني صراعًا داخليًا معقدًا. أداؤه كان لافتًا بحسه العالي وقدرته على تجسيد الشخصية بواقعية أثبتت أنه يمتلك موهبة تتجاوز حدود الرياضة.

كما ظهر صالح سليم في أعمال سينمائية أخرى منها "السبع بنات" و**"الباب المفتوح"** أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، في تجربة فنية لم تكن عابرة، بل جاءت امتدادًا لاهتمامه الحقيقي بالفن والمسرح، وهو ما عبّر عنه في تصريحات سابقة بقوله: "الكرة والفن كلاهما يحتاج إلى إحساس وتقدير للجمال، لكنني اخترت أن أُخلص لكرة القدم أكثر."

صالح سليم.. حاسم الطباع رقيق الجوهر
اشتهر صالح سليم بصرامته وانضباطه داخل أروقة النادي الأهلي وخارجه، لكنه كان في حياته الخاصة إنسانًا متواضعًا، شغوفًا بالثقافة، واسع الاطلاع، محبًا للفنون والأدب. امتلك القدرة على الجمع بين الحزم والهدوء، وبين الصمت المدروس والكاريزما التي تفرض الاحترام دون حاجة إلى استعراض.

كان يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، ويجيد التفاوض في المحافل الدولية باسم النادي الأهلي، كما حرص على تكوين دائرة من المثقفين والفنانين من حوله، بعيدًا عن الأضواء التي كان يفضل الابتعاد عنها رغم كونه شخصية إعلامية محببة ومحل اهتمام دائم من الصحافة.

صالح سليم.. مدرسة في الإدارة الرياضية
حين تولّى رئاسة النادي الأهلي، لم يأتِ بدافع حب المناصب، بل لخدمة كيان اعتبره امتدادًا لحياته الشخصية، فقاد ثورة إدارية غيّرت من شكل المؤسسة الرياضية الأشهر في مصر والعالم العربي. أرسى مبادئ التخطيط العلمي والمؤسسية والشفافية في العمل الإداري، وأصر على استقلالية النادي في مواجهة أي ضغوط سياسية أو إعلامية، حتى أصبح نموذجًا يُحتذى به في الإدارة الرياضية.

ورغم النجاحات الكبيرة، لم يسعَ صالح سليم إلى المناصب بقدر ما سعى لتأمين مستقبل النادي، فكان يرفض خوض الانتخابات مرارًا، متمسكًا بأن المنصب وسيلة لا غاية. أسس قواعد إدارية لا تزال مرجعًا في الرياضة المصرية حتى اليوم، وأشرف على بناء منشآت رياضية مهمة لا تزال شاهدة على رؤيته الاستراتيجية.

رحيل صالح سليم لم يكن نهاية لقصة نجاح، بل بداية لإرث مستمر يُستحضر في كل مناسبة رياضية، وتستلهم منه الأجيال معاني الإخلاص، والقيادة، والنزاهة، والقدرة على الجمع بين الموهبة والانضباط.