بوابة بالعربي

ما وراء ”الجبهة الوطنية”.. أسئلة اللحظة الراهنة في السياسة المصرية

الثلاثاء 3 يونيو 2025 12:59 مـ 6 ذو الحجة 1446 هـ
الصحفي/ محمد رجب سلامة
الصحفي/ محمد رجب سلامة

في مشهد سياسي مصري دائم الحركة، يبرز إلى السطح "حزب الجبهة الوطنية"، حاملاً معه تطلعات تبدو، في ظاهرها، استجابة لحاجة وطنية مُلحة: "لم الشمل"، تحت شعار "مصر للجميع".

هذا الشعار، وإن كان يحمل بريق الأمل، يضع الحزب الوليد أمام اختبار عسير، خاصة وأن خطابه يتوجه صوب "الأغلبية الصامتة"، تلك الكتلة التي طالما كانت عصية على الاستقطاب الكامل، ويراهن على "توسيع قاعدة المشاركة السياسية" كغاية ووسيلة.

إن ولادة أي كيان سياسي جديد في مصر لا تمر دون أن تثير عاصفة من التساؤلات والتحليلات، و"الجبهة الوطنية" ليس استثناءً.

اللافت للانتباه هو ذلك الحماس الذي استقبل به البعض هذا الظهور، حماسٌ قد لا يكون منفصلاً عن مرارة تجارب سابقة لم تبلغ غاياتها.


"بيت القصيد" في تجربة النقابات: نجاح انتخابي بلا رصيد

ولعل من أبرز دروس الحاضر والماضي القريب، وهو ما قد يمثل "بيت القصيد" في فهم المزاج العام الذي يستقبل أية طروحات سياسية جديدة، تلك الإخفاقات اللافتة التي لا تزال أصداؤها تتردد في الذاكرة السياسية، وبما تشهده حاليًا أروقة بعض النقابات والتكتلات الحزبية والسياسية التي تقف وراءها بزعم انهم مستقلين.

ونخص بالذكر هنا تجارب بعينها قادها من يُعرفون بـ "المستقلين" أو تيارات محسوبة على "اليسار"، خاصة في استحقاقات العمل النقابي، والتي انتهت في نظر الكثيرين إلى نتائج مخيبة للآمال، إن لم نقل "فشلًا ذريعًا" كما يصفها البعض.

فبرغم تمكنهم أحيانًا من تحقيق اختراقات انتخابية قد تبدو واعدة للوهلة الأولى، سرعان ما كشفت الممارسة العملية عن عجزٍ بيّن في تقديم أي جديد يُذكر على أرض الواقع.

لقد ثبت بالدليل القاطع افتقار تلك التجارب للرؤى الحقيقية والبرامج العملية المتكاملة؛ فلم تكن الشعارات المرفوعة، مهما علت جاذبيتها، إلا ستارًا لخواء برنامجي فاضح. ولم يكن مستغربًا، والحال كذلك، أن يترسخ في وعي قطاعات ليست بالقليلة ذلك التوصيف الشعبي البليغ بأنهم تحولوا إلى مجرد "بتوع أي شعارين في سندوتش"؛ يتقنون فن الصخب الخطابي، لكنهم يفتقرون إلى أبسط مقومات المشروع الجاد القادر على خدمة الناس أو تطوير المؤسسات التي أُتيحت لهم فرصة قيادتها.

ومن رحم هذه القناعات، ربما، يتسلل الأمل بأن يكون هذا الحزب الجديد هو البديل المنشود، الكيان الذي يلامس "هوى الشعب المصري" ويقدم نفسه كخيار أكثر نضجًا وجاهزية، مقارنة بتيارات أخرى قد تبدو، في عيون ناخبيها المفترضين، غير مستعدة لخوض غمار التحديات الراهنة أو غير معبرة عن نبض الشارع الحقيقي.

وفي خضم هذا السجال، يحرص القائمون على "الجبهة الوطنية" على رسم حدود واضحة لمشروعهم.

التأكيد على أهمية "حزب مستقبل وطن" كحزب دولة رئيسي، وعلى ضرورة الحفاظ على باقي الكيانات الحزبية القائمة، يمثل رسالة بالغة الأهمية.

قد تُقرأ هذه الرسالة على أنها محاولة لتفادي الصدام المبكر، أو ربما هي قناعة حقيقية بأن التعددية، حتى وإن كانت شكلية في بعض الأحيان، تظل أفضل من الفراغ.

النقطة الأخرى التي تستوقف المراقب هي ذلك النفي القاطع لمحاولة اجتذاب أعضاء من "حزب مستقبل وطن" أو غيره.

هذا التصريح ليس مجرد توضيح عابر، بل هو أشبه برد محسوب على همسات بدأت تتردد في الصالونات السياسية، تربط بين ميلاد الحزب و"ترتيبات" قد تكون أُبرمت بعيدًا عن الأضواء، أو ما يحلو للبعض تسميته بـ"الترتيبات الأمنية".

يبدو أن "الجبهة الوطنية" يسعى جاهداً لتقديم نفسه كقيمة مضافة للمشهد، لا كبديل يستنزف الآخرين، وأن بوصلته تتجه نحو الطاقات الشابة والكفاءات التي لم تجد لها موطئ قدم في الخريطة السياسية التقليدية.

إن الحكم على أي تجربة سياسية، و"الجبهة الوطنية" من بينها، لا يستقيم على النوايا المعلنة وحدها، بل على قدرتها على تحويل الطموحات إلى وقائع ملموسة.

هل يملك هذا الحزب الوليد الأدوات والرؤية الكافية ليس فقط لـ "لم الشمل" وتوسيع قاعدة المشاركة، بل ولتقديم نموذج سياسي يتجاوز إخفاقات الماضي ويستجيب حقًا لتطلعات المصريين في حاضرهم ومستقبلهم؟ الأيام وحدها كفيلة بأن تحمل الإجابة، وأن تكشف ما إذا كان هذا الميلاد سيؤسس لمرحلة مختلفة، أم سيظل مجرد إضافة رقمية في سجل الأحزاب المصرية؟