انضمام مصر إلى البريكس.. مكاسب استراتيجية واقتصادية في عصر التعددية القطبية

أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن تكتل "البريكس" لم يعد مجرد كيان اقتصادي تقليدي، بل تطور إلى قوة متعددة الأبعاد تسعى إلى إعادة تشكيل النظام العالمي، ليصبح أكثر توازنًا وتعددية. ويبرز البريكس الآن كمنصة حيوية لمناقشة القضايا الدولية الكبرى، مع التركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي، وتوفير التمويل لمشروعات البنية التحتية دون فرض شروط سياسية صارمة.
البريكس وتحولات النظام الدولي
أشار المركز في تحليل معلوماتي حديث إلى أن العقدين الماضيين شهدا تحولات اقتصادية وجيوسياسية عميقة، مثل الأزمة المالية العالمية في 2008، وأزمة ديون منطقة اليورو بين عامي 2009 و2015، إلى جانب صعود الصين اقتصاديًا لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ 2010، بالتوازي مع تنامي نفوذ دول جنوب شرق آسيا. هذه التحولات دفعت تكتل البريكس ليبرز كقوة تسعى لإعادة التوازن للنظام الدولي.
ثقل اقتصادي وموارد هائلة
يستند الثقل المتزايد للبريكس إلى حجمه الاقتصادي الضخم. ففي عام 2024، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول التكتل نحو 29.8 تريليون دولار، ما يمثل 39% من الناتج العالمي. ويمتلك البريكس حصصًا هائلة من الموارد الطبيعية:
43.6% من إنتاج النفط
36% من الغاز الطبيعي
78.2% من الفحم المعدني
72% من احتياطات المعادن الأرضية النادرة
كما تستحوذ دول التكتل على 44% من إنتاج الحبوب العالمي، بما يشمل 48% من القمح و55% من الأرز و40% من الذرة، وتُعد روسيا والهند والبرازيل من أبرز اللاعبين في هذا المجال.
من حيث التوظيف، يتمتع التكتل بمعدل بطالة منخفض نسبيًا (5.4%) ومشاركة قوية في قوة العمل (60.8%). وبعد التوسع، ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي العالمي إلى 27.1%، مقابل 24.6% سابقًا.
التجارة والاستثمار بعد التوسع
أسفر توسع التكتل عن زيادة مساهمته في التجارة العالمية من 17.8% إلى 21.7%. كما ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة من 270.9 مليار دولار إلى 337.8 مليار دولار. ويشير هذا إلى جاذبية التكتل المتزايدة للمستثمرين الدوليين.
ويمتلك البريكس نحو 29.5% من إجمالي مساحة اليابسة عالميًا، وتتصدر روسيا التكتل بمساحة تبلغ 11% من مساحة العالم. أما من حيث عدد السكان، فتجاوزت نسبة سكان دول البريكس بعد التوسع 48.5% من سكان العالم، بقيادة الهند (1.45 مليار نسمة) والصين (1.41 مليار).
نحو استقلال مالي وتكامل مصرفي
يسعى البريكس إلى تعزيز استقلاله المالي عبر أدوات مبتكرة، أبرزها:
• بنك التنمية الجديد
أنشئ في 2015 برأسمال 50 مليار دولار، وقد موّل حتى الآن 96 مشروعًا نشطًا داخل التكتل. يهدف البنك إلى توفير تمويل أسرع دون شروط تقليدية صارمة، ويسعى خلال خطته (2022-2026) إلى تعبئة مليار دولار إضافية، مع تخصيص 20% من المشروعات بالتعاون مع مؤسسات تنموية دولية.
• تسويات العملات المحلية
تعمل دول البريكس على إبرام اتفاقيات لمبادلة العملات المحلية بهدف تقليل الاعتماد على الدولار. الهند أتاحت الروبية للتجارة مع 18 دولة، بينما وقّعت الصين اتفاقيات باليوان مع 41 دولة، في ظل اعتراف صندوق النقد الدولي باليوان كعملة احتياطية.
• نظام "بريكس باي" للدفع
أُطلق في 2018 كنظام مالي لا مركزي لتسهيل المدفوعات العابرة للحدود باستخدام العملات المحلية، ويعتمد على تقنيات مثل البلوك تشين والعقود الذكية.
• آلية الاحتياطي الاحترازي
بُنيت هذه الآلية لدعم الدول الأعضاء عند مواجهة أزمات قصيرة الأجل في ميزان المدفوعات، بحجم التزامات يبلغ 100 مليار دولار. تسمح الآلية بسحب 30% دون الحاجة إلى موافقة صندوق النقد الدولي، وتُحتسب الفوائد فقط على المبالغ المسحوبة بالدولار.
عضوية مصر: شراكة استراتيجية في زمن التحولات
بدأت مصر عضويتها الكاملة في تكتل البريكس في يناير 2024، بعد دعوتها رسميًا في 2023، ما يمثل خطوة استراتيجية تعزز من توجهها لتنويع شراكاتها الدولية بين الشرق والغرب. وتتماشى هذه الخطوة مع رؤية مصر في ترسيخ موقعها كمحور جغرافي بين الشمال والجنوب، والربط بين أوروبا وآسيا.
وستستفيد مصر من مزايا العضوية في عدة مجالات:
زيادة الصادرات إلى أسواق كبرى وناشئة ضمن التكتل
استقطاب استثمارات مباشرة من الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا
الاستفادة من التمويل الميسر عبر بنك التنمية الجديد
تعزيز التعاون في مجالات الرقمنة والطاقة النظيفة والزراعة والتنمية المستدامة
تأمين واردات السلع الاستراتيجية كالحبوب والأرز والقمح بأسعار مستقرة
ويُعد انضمام مصر للتكتل شهادة دولية على ثقلها الاستراتيجي، خاصة في ظل مشاركتها المنتظمة في قمم "بريكس+" منذ 2017. ومن المتوقع أن يساهم هذا الانضمام في فتح آفاق جديدة لتعزيز مكانة مصر في النظام العالمي الجديد الذي تتبلور ملامحه حاليًا.