بوابة بالعربي الإخبارية

مرونة لا تتزعزع: السوق المالية السعودية تجذب الطروحات النوعية وسط تحديات جيوسياسية

الإثنين 8 سبتمبر 2025 01:15 مـ 15 ربيع أول 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

تتأرجح الأسواق المالية العالمية تحت وطأة التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية، مما يخلّف أجواء من عدم اليقين تعيق قرارات المستثمرين والشركات بشأن الطروحات الأولية.
لكن السوق المالية السعودية (تداول) تظهر كاستثناء لافت، إذ تستمد قوتها من أسس اقتصادية متينة ورؤية استراتيجية متكاملة، ما يجعلها ملاذًا آمنًا للشركات الطامحة للإدراج.

تزايد طلبات الطرح في ظل بيئة عالمية متقلبة ليس مجرد رقم، بل دليل على ثقة عميقة في قدرة السوق على جذب الاستثمارات النوعية واستيعاب التحديات.

أرقام تحكي قصة صمود

تشير بيانات هيئة السوق المالية إلى صلابة السوق السعودية وسط المتغيرات.. ففي الربع الثاني من عام 2025، ارتفع إجمالي طلبات الطرح القائمة في السوقين الرئيسة والموازية "نمو" إلى 51 طلبًا، بزيادة قدرها 14 طلبًا مقارنة بالربع الأول.

توزعت هذه الطلبات بين 19 طلبًا في السوق الرئيسة و32 في سوق "نمو"، مع اعتماد 9 طلبات خلال الربع نفسه (3 في السوق الرئيسة و6 في نمو).

يأتي ذلك رغم تراجع مؤشر "تاسي" بنسبة 5.8% في مايو، ليصل التراجع التراكمي في النصف الأول إلى 7.3%.

ما يبرهن أن التباطؤ في وتيرة الطروحات كان ظرفيًا ومؤقتًا، وأن استمرار الطلب المرتفع يؤكد احتفاظ السوق بجاذبيتها وتماسكها.

طروحات نوعية تعكس تحولات "رؤية 2030"

النمو في الطلبات لم يكن مجرد كمٍّ، بل ارتبط بجودة نوعية تعكس التحولات الاقتصادية العميقة في المملكة.
إذ استقطبت السوق شركات استراتيجية تنشط في قطاعات محورية ومتنوعة، بما يتماشى مع أهداف "رؤية 2030" للتنويع الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد على النفط.

من أبرز الأمثلة:

* قطاع الطيران: إدراج شركة طيران ناس في يونيو 2025، كأول شركة طيران تُدرج في "تاسي"، بقيمة سوقية عند الإدراج بلغت نحو 13.7 مليار ريال.

* قطاع العقارات: إدراج شركة أم القرى للتنمية والإعمار (مسار) في مارس 2025، بحجم طرح يقارب 1.96 مليار ريال وقيمة سوقية عند الإدراج ~21.6 مليار ريال.

* قطاع الرعاية الصحية: إدراج الشركة الطبية التخصصية (SMC) في يونيو 2025، بحجم طرح يناهز 1.9 مليار ريال.

* الخدمات المالية: إدراج شركة دراية المالية في مارس 2025 بسعر 30 ريالًا للسهم.

هذه الطروحات المتنوعة تعكس توجهًا استثماريًا نحو بناء اقتصاد متكامل ومستدام، وتعزز مكانة السوق السعودية كمركز جذب للاستثمارات النوعية.

التسهيلات التنظيمية ودورها في تعزيز الجاذبية

تلعب هيئة السوق المالية دورًا محوريًا في دعم هذا النجاح من خلال توفير بيئة تنظيمية مرنة وشفافة. فقد ساهمت التسهيلات في:

* تبسيط إجراءات الطرح الأولي.

* توفير منصات متعددة تناسب حجم الشركات وتطلعاتها.

* إتاحة منصة "نمو" للشركات الصغيرة والمتوسطة، بمتطلبات إدراج أخف (قيمة سوقية لا تقل عن 10 ملايين ريال، مع طرح 20% من الأسهم أو 30 مليون ريال أيهما أقل).

كما ناقشت الهيئة في 2025 مقترحات لتوسيع قاعدة المستثمرين في "نمو" وتطوير أدوات جديدة كـ SPACs، إضافة إلى تعديلات سابقة على لوائح الصكوك والسندات لزيادة التنوع. هذه الخطوات التنظيمية عززت شمولية السوق ومنحتها المرونة اللازمة لمواكبة متطلبات العصر.


السيولة والنافذة الزمنية

رغم استمرار تدفق الطلبات، تبقى النوافذ الزمنية للتسعير حساسة للتقلبات الدورية.

فقد بلغت قيمة التداول في مايو نحو 103.9 مليار ريال بانخفاض 17.5% مقارنة بالشهر السابق. هذا يوضح أن قوة خط الإدراجات لا تعني تسعيرًا مثاليًا لكل إصدار، إذ تبقى السوق مرتبطة بتحركات أسعار النفط والعوائد الأميركية.

وأخيرًا.. إن تجربة السوق المالية السعودية اليوم تُعد نموذجًا ناجحًا يتجاوز حدود الأرقام ليؤكد متانة الأسس الاقتصادية، وقوة البيئة التنظيمية، ووضوح الرؤية الاستراتيجية.
هذه العوامل مجتمعة تحمي السوق من تقلبات الخارج وتحول التحديات إلى فرص للنمو والازدهار.

ومع استمرار تدفق طلبات الطرح النوعية وتنوع القطاعات، تمضي السوق المالية السعودية بثقة نحو مستقبل مشرق ومستدام يرسّخ مكانتها كمركز مالي إقليمي وعالمي.