بوابة بالعربي الإخبارية

صوت من غزة| صحفي فلسطيني لـ«بالعربي الإخبارية»: لن نرحل من القطاع.. ونتنياهو مجرم حرب

الأربعاء 17 سبتمبر 2025 02:10 مـ 24 ربيع أول 1447 هـ
الصحفي الفلسطيني سامح الجدي
الصحفي الفلسطيني سامح الجدي

نشتاق جميعا لسماع أي صوت من غزة، للاطمئنان على أحوال أهل القطاع المنكوب الذي يعاني جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ حوالي عامين، وفي الآونة الأخيرة تصاعدت عمليات القصف الإسرائيلية في مسعى من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى تنفيذ مخططه لاحتلال كامل أراضي القطاع، تزامنا مع استشراء المجاعة بين السكان وتفاقم الأزمة الإنسانية.

صوت من غزة يصف الأوضاع في القطاع

وفي محاولة لسماع صوت غزة، والوقوف على ما يجري على أرض الواقع في قطاع غزة، كان لـ" بوابة بالعربي الإخبارية" هذا الحوار مع الصحفي الفلسطيني سامح الجدي، الذي يعيش في غزة ويعاني ويلات العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023.

"الجدي" عضو المكتب الحركي المركزي للصحفيين الفلسطينيين الأقاليم الجنوبية‎، وعضو اتحاد الصحفيين العرب، والاتحاد الدولي للصحفيين مقره بروكسل.

وقبل أي شئ فإننا نؤكد على أن أي صوت من غزة، ربما ينقل الصورة للتقريب ليس أكثر فالواقع أكثر إيلاما من أن تصفه الكلمات.

وإلى نص الحوار:

كيف تصف الوضع الحالي في غزة منذ إعلان نتنياهو عن نيته احتلال مدينة غزة؟

الوضع في غزة لا يمكن وصفه إلا بأنه مأساوي بكل المقاييس. إعلان نتنياهو عن نيته احتلال مدينة غزة لم يكن مجرد تصريح سياسي، بل تحول إلى غطاء لجرائم حرب واسعة النطاق.

منذ ذلك الإعلان، تكثفت الغارات، ارتفعت وتيرة استهداف المدنيين، وتزايدت محاولات تفريغ غزة من سكانها عبر القتل والتدمير المتعمد للبنية التحتية.

نحن نتحدث عن مدينة محاصرة منذ ما يزيد عن 18 عاماً، تعيش اليوم أسوأ مراحلها: انعدام الأمن، ندرة الغذاء، غياب الدواء، وشعب يُجبر يومياً على الاختيار بين النزوح أو الموت ومع ذلك، هناك إصرار شعبي عميق على البقاء في الأرض، وكأن الغزيين يرسلون رسالة يومية للعالم مفادها: “لن نرحل”.

ما أبرز التحديات التي واجهها سكان القطاع منذ طوفان الأقصى؟

التحديات متشابكة ومتراكبة، لكن يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات:

إنسانياً: نزوح أكثر من مليون ونصف إنسان عن منازلهم، كثير منهم للمرة الثالثة أو الرابعة، مما خلق أزمة لجوء داخلي غير مسبوقة. غياب المأوى، نقص الغذاء والمياه، وانتشار الأمراض في مراكز الإيواء شكل تحدياً يومياً لكل أسرة.

خدمياً وصحياً: القطاع الصحي انهار تقريباً، المستشفيات خرجت عن الخدمة أو تعمل بقدرات محدودة، الأدوية مفقودة، وأعداد الجرحى تفوق قدرة أي نظام صحي في العالم.

نفسياً واجتماعياً: جيل كامل من الأطفال يعيش صدمة الحرب المستمرة، الأسر تفقد أبناءها بشكل يومي، ومع ذلك تحاول أن تحافظ على تماسكها وصمودها.

كيف تنظرون إلى ردود الفعل الدولية على الأحداث في غزة خلال هذه الفترة؟

ردود الفعل الدولية تكشف ازدواجية المعايير بوضوح. في الوقت الذي يتحدث فيه قادة الغرب عن القوانين الدولية وحقوق الإنسان، نجدهم يصمتون أو يبررون جرائم الاحتلال. هناك حراك شعبي عالمي غير مسبوق يقف مع فلسطين – من الجامعات إلى النقابات والشارع الغربي – لكن المواقف الرسمية تبقى خجولة، بل في بعض الأحيان منحازة بشكل فج لإسرائيل. المجتمع الدولي تعامل مع المأساة باعتبارها “أزمة إنسانية” فقط، متجاهلاً أنها جريمة إبادة واحتلال استعماري يجب أن يتوقف.

كيف ينظر أهل غزة لحركة حماس بعد عامين من طوفان الأقصى؟

النظرة مركبة ومعقدة. من جهة، هناك معاناة حقيقية يعيشها الناس بسبب طول أمد الحرب وتداعياتها على حياتهم اليومية، ومن الطبيعي أن تخرج أصوات ناقدة. لكن في الوقت نفسه، لا أحد في غزة يخلط بين خلافه السياسي الداخلي وبين الصراع الأساسي مع الاحتلال. الغالبية ترى أن الاحتلال هو من جلب هذه الكوارث، وأن أي نقاش داخلي يجب أن يُرحل إلى ما بعد انتهاء العدوان. يمكن القول إن هناك وعي جمعي في غزة بأن المعركة اليوم ليست على “من يحكم”، بل على “من يبقى” في هذه الأرض.

هل اقترب مخطط التهجير من التنفيذ الفعلي؟

الاحتلال يسعى لذلك بشكل واضح وممنهج، عبر تحويل غزة إلى بيئة غير صالحة للعيش: تدمير المنازل، تجويع السكان، وضرب مقومات الحياة الأساسية. لكن الشعب الفلسطيني يواجه هذا المخطط بعناد أسطوري. في كل مرة تُفتح ممرات النزوح إلى خارج غزة، يعلن الناس رفضهم مغادرة أرضهم. هناك إدراك عميق بأن التهجير هو أخطر من القصف، لأنه يعني اقتلاع الشعب من جذوره. لذلك يمكن القول: نعم، الاحتلال يضغط، لكن الوعي الشعبي والتمسك بالأرض هما السد المنيع أمام تنفيذ المخطط.

ما انطباعكم عن نتائج القمة العربية الأخيرة في الدوحة؟

القمة العربية في الدوحة كانت مهمة من حيث التوقيت والرمزية، وأكدت أن القضية الفلسطينية ما زالت في صدارة الأولويات. لكنها في الوقت نفسه لم تقدم الأدوات العملية التي ينتظرها الفلسطينيون. نحن بحاجة لقرارات ملزمة، آليات واضحة للضغط على المجتمع الدولي، وتوظيف أوراق القوة العربية – السياسية والاقتصادية – وليس الاكتفاء ببيانات الشجب. الانطباع العام أن القمة خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها غير كافية أمام حجم الكارثة الجارية في غزة.

هل تشعرون أن الدول العربية تقوم بما يكفي لدعم القطاع شعبياً وسياسياً؟

على المستوى الشعبي، نعم، نشهد تضامناً واسعاً في الشارع العربي، في الإعلام الجديد، في الحملات الإنسانية. لكن على المستوى الرسمي والسياسي، لا. الدعم العربي ما زال محدوداً ويخضع لحسابات دولية وضغوط غربية. المطلوب هو انتقال الدعم من إطار رمزي إلى خطوات عملية: رفع الحصار، ملاحقة الاحتلال قانونياً، وضمان وصول المساعدات بشكل آمن.

كيف يمكن للشعوب العربية أن تؤثر على سياسات حكوماتها تجاه غزة؟

الشعوب هي المحرك الأساسي للتغيير. يمكنها أن تؤثر عبر الضغط المستمر على الحكومات: من خلال التظاهرات، الحملات الإلكترونية، دعم المقاطعة الاقتصادية، والضغط على البرلمانات. التجربة أثبتت أن صوت الشارع العربي إذا ارتفع بقوة لا تستطيع الحكومات تجاهله طويلاً. المطلوب هو تحويل التعاطف إلى فعل سياسي منظم ومستمر.

كيف تقيم الدور المصري منذ طوفان الأقصى إلى الآن؟

يمكن القول إن الدور المصري منذ طوفان الأقصى حتى اليوم كان دوراً محورياً وحاسماً، لا يمكن تجاوزه عند قراءة المشهد الفلسطيني. مصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ والعمق الاستراتيجي، ظلت تتحرك على أكثر من خط في وقت واحد. فمن الناحية السياسية، كانت القاهرة الحاضنة لكل المبادرات والوسيط الرئيس في محاولات الوصول إلى تهدئة، سواء عبر اتصالاتها المباشرة مع الأطراف الفلسطينية أو من خلال تنسيقها مع القوى الإقليمية والدولية. ومن الناحية الإنسانية، شكّل معبر رفح شريان الحياة الوحيد لغزة، حيث جرى عبره إدخال المساعدات وإجلاء الجرحى، وهو ما كان له أثر بالغ في التخفيف من معاناة المدنيين.

إلى جانب ذلك، سعت مصر لتوظيف ثقلها العربي والدولي من أجل تثبيت الحضور الفلسطيني على طاولة النقاشات الدولية، مؤكدة أن أمن غزة واستقرارها هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والعربي. هذا الموقف يعكس ثبات السياسة المصرية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ويمنح الغزيين شعوراً بأن هناك دولة كبرى تقف إلى جانبهم في هذه الظروف القاسية.

بالمجمل، يمكن القول إن القاهرة أدت دورها التاريخي بروح من المسؤولية، وأثبتت أن غزة ليست وحيدة، وأن لمصر دوراً متجذراً لن يتراجع في دعم القضية الفلسطينية سياسياً وإنسانياً.

في النهاية، ما الرسالة التي تودون توجيهها للعالم حول ما يحدث في غزة اليوم؟

رسالتي واضحة وبسيطة: غزة اليوم ليست مجرد مدينة تتعرض للدمار، إنها مرآة أخلاقية للعالم بأسره. ما يحدث هو اختبار للضمير الإنساني: هل سيقف العالم صامتاً أمام إبادة جماعية تُرتكب على الهواء مباشرة؟ نحن نطالب بوقف فوري للحرب، برفع الحصار، وبمحاسبة الاحتلال على جرائمه. غزة تقول للعالم: نحن نحب الحياة مثل غيرنا، نريد أن نعيش بكرامة على أرضنا، ولن نقبل أن نُمحى أو نُقتلع.