مصر تقود مسيرة التحول المعرفي والابتكاري في الألفية الجديدة.. إنجازات وطنية ورؤية مستقبلية

على مدار 11 عامًا مضت، شهدت مصر نقطة تحول جوهرية في مسارها نحو الاقتصادات المعرفية، مستندة إلى استراتيجية وطنية طموحة تؤمن بأن الابتكار هو مفتاح التقدم. الدولة تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعمل على تمكين الجامعات ومراكز البحوث لتصبح حاضنة للمعرفة وليست مستهلكًا لها، ضمن رؤية تستهدف التموقع الإقليمي كمركز عالمي للابتكار، عبر الاستثمار في العقول المصرية الواعدة والمؤسسات البحثية والتعليمية الصلبة.
استراتيجية وطنية للابتكار والبحث العلمي
في عام 2023، دشّنت مصر “الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2030”، التي وضعت الابتكار في صميم أولوياتها. ونظمت “السياسة الوطنية للابتكار المستدام” التي تربط بين منظومة التعليم والبحث العلمي والقطاعات الاقتصادية، بهدف إنتاج المعرفة القابلة للتطبيق وفق احتياجات السوق والصناعة.
كما انطلقت المبادرة الرئاسية “تحالف وتنمية”؛ حيث تم تدشين مجالس تنفيذية في الأقاليم لتنسيق الشراكة بين الجامعات والقطاع الصناعي والحكومة. ونتيجة لهذه الجهود تم عقد تحالفات ممولة بمخصصات مالية تتراوح بين 25 و60 مليون جنيه سنويًا لكل تحالف.
اكتشاف المواهب وتنمية الفكر الإبداعي
أطلقت الحكومة مشروع “مصر GATE – نبوغ” بالتعاون بين عدة وزارات لاكتشاف النوابغ منذ الطفولة، وتأهيلهم لتعزيز دورهم في سوق العمل المستقبلي. على مستوى الجامعات، أُفرد لدعم الأفكار الابتكارية برنامج “GEN Z” بتعاون مشترك بين وزارة التعليم العالي وصندوق المبتكرين وشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بموازنة تصل إلى 100 مليون جنيه.
تعزيز العلوم والرياضيات والذكاء الاصطناعي
تأتي الخطوة التالية في إنشاء الأكاديمية المصرية لعلوم الرياضيات بمستوى عالمي، لتعزيز البحث في مجالات البرمجيات والأمن السيبراني. ولمواكبة التطورات الدولية، قامت الدولة بتأسيس “مركز سلامة وأمان الذكاء الاصطناعي”، عملاً بالإصدار الثاني من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي مطلع 2025، بهدف تنظيم الأبحاث وجمع البيانات وتعزيز التعاون الدولي.
حماية الإبداع الرقمي والفكري
أُطلقت “الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية” استجابة لأهمية حماية حقوق المخترعين والمبدعين، مساهمة مع رؤية مصر 2030 في تعزيز القيمة الاقتصادية للابتكار.
منصة المعرفة الوطنية والمعايير الدولية
بمبادرة رئاسية، أُسس بنك المعرفة المصري ليجمع أكثر من 7,000 دورية علمية، و250 ألف كتاب إلكتروني، و1.4 مليون أطروحة، ويقدم أكثر من 28 ألف مستند بلغات متعددة. وقد تم اختياره نموذجًا للتعلم الرقمي العام من اليونيسكو واليونيسف، مؤكدًا مكانته في محو الأمية الرقمية.
توطين تكنولوجيا الفضاء
تخطو مصر خطوات جريئة نحو الفضاء بطموحٍ لمواكبة التعاظم العالمي في هذا المجال. فقد تم استكمال تجميع القمر الصناعي “مصر سات 2” في إطار التعاون مع الصين، وإطلاق قمر “نكس سات 1” بمساعدة ألمانية. ومع نهاية 2025، تخطط مصر لإطلاق قمرين جديدين، أحدهما خاص بمراقبة المناخ والضوابط البلازمية، والآخر تحت عنوان “قمر التنمية الإفريقي” بالشراكة مع دول قارية.
كما أقامت مصر خلال مؤتمر “نيو سبيس إفريقيا 2025” في المدينة الفضائية مركزًا لتجميع الأقمار، يستقطب خبراء من نحو 60 دولة، ليكون الأكبر في أفريقيا والشرق الأوسط.
الجينوم والرعاية الصحية والدواء
أُطلقت مبادرة “الجينوم المرجعي للمصريين والمصريين القدماء” بتكلفة 2 مليار جنيه، لتعزيز الطب الدقيق والوقاية من الأمراض، فيما تم إطلاق المرحلة الأولى من “الجينوم الرياضي” للمساعدة في اكتشاف الرياضيين بناءً على الجينات.
في إطار تعزيز الأمن الصحي، استضافت مصر المركز الإقليمي لتصنيع اللقاحات في شمال إفريقيا، ضمن تحالف لدعم إنتاج اللقاحات والقضاء على الأمراض المُعدية.
الزخم الصناعي والتقنيات المحلية
في مجال الصناعة، أنتجت مصر أول 100 سيارة كهربائية منخفضة السرعة بنسبة مكونات محلية بنسبة تجاوزت 60%، وصولًا إلى 83% خلال السنوات القادمة. كما أنجز المعهد القومي للبحوث واحدًا من أكبر التلسكوبات الفلكية في الشرق الأوسط بمرآة قطرها 6.5 متر على جبل الرجوم، بالإضافة إلى محطة لرصد الحطام الفضائي.
مؤشرات الابتكار والمخرجات العلمية
تقدم ترتيب مصر في مؤشر الابتكار العالمي من المركز 96 عام 2020 إلى 86 عام 2024، بينما احتلت المركز 25 عالميًا في مؤشر SCImago. وسجل الباحثون المصريون منذ 2019 نشر أكثر من 219 ألف بحث علمي و152 ألف ورقة بحثية، وكانت القاهرة الكبرى ضمن أفضل 100 مركز علمي وتكنولوجي بالعالم.
تفعيل الشباب والمبادرات الطلابية
ظهرت أكثر من ألف شخصية بحثية مصرية ضمن قائمة أفضل العلماء عالميًا حسب ستانفورد، كما استثمرت الدولة في تدريب طلاب الجامعات على مشاريع تطبيقية، بهدف دعم ريادة الأعمال والابتكار. إذ تم تمويل 524 مشروع تخرج بمشاركة 2,657 طالبًا، بموازنة 28 مليون جنيه، بالإضافة لمبادرات شبابية في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.
وفي السياق ذاته، حصلت مصر على 59 جائزة بحثية بشروط مالية تجاوزت 5.7 مليون جنيه؛ فضلاً عن برامج عدة لنشر العلوم عبر المجلات الموسوعية والنشرات، وتمكين الأطفال من خلال جامعة الطفل التي درّبت نحو 20 ألف طفل سنويًا وشاركت في أولمبياد الرياضيات والفيزياء العالمية.
شراكات عالمية وإقليمية
انضمت مصر إلى أكاديميات العلوم الإفريقية (NASAC)، ودعمت مشاريع في الأمن الغذائي بالتعاون مع "الفاو"، واستضافت قمة الشراكة بين الأكاديميات (IAP). كما شاركت بقوة ضمن تجمعات البريكس وقمة الأمم المتحدة للعلوم، لتعزيز البحث في المياه والزراعة والتكنولوجيا الخضراء.
وفي إطار التعاون القاري، تستقبل مصر أكثر من 120 ألف طالب من 123 دولة، بينها 43 ألف إفريقي، وتقدّم 570 منحة دراسية سنويًا، وتمنح جوائز علمية لعلماء شباب في المجالات الزراعية والصحية والطاقة، تعبيرًا عن دورها الريادي في نشر القدرات الإفريقية.
الختام: استراتيجية شاملة نحو دولة المعرفة
من المبادرات والمشاريع الاستراتيجية في التعليم والبحث والابتكار الصناعية والصحية، إلى ريادة العرب والإفريقيين في المجالات العلمية والتقنية، تؤسس مصر نموذجًا بوصفه دولة منتجة للمعرفة. ترسم الدولة برؤية راسخة منهجًا يرتكز على:
تمكين الأبحاث التطبيقية لخدمة الاقتصاد.
تمويل المشاريع الشبابية لتعزيز ريادة الأعمال.
شراكات استراتيجية داخلية وخارجية.
دولتية تراعي الفضاء والطب والجينات.
إن ما تحقق خلال 11 عامًا يُعد إنجازًا وطنيًا تُبنى عليه الرخاء المستقبلي، حيث باتت مصر قادرة على المنافسة عالميًا في المعرفة والابتكار، مدفوعة بإيمان راسخ بأن العقول المصرية هي ثروتها الحقيقية.