ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية بسبب الظواهر المناخية المتطرفة

كشفت دراسة حديثة أجراها مركز الحوسبة الفائقة في برشلونة أن الظواهر المناخية المتطرفة المرتبطة بتغير المناخ أصبحت سببًا مباشرًا في ارتفاعات حادة قصيرة الأجل لأسعار المواد الغذائية الأساسية حول العالم، ما يهدد بموجات تضخّم متكررة في أسواق الغذاء.
وأوضحت الدراسة - التي نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في آخر عدد لها - أن هذه الارتفاعات، التي تتراوح بين عشرات إلى مئات النسب المئوية، غالبًا ما تحدث بعد أشهر قليلة فقط من وقوع موجات حر أو جفاف غير مسبوقة تاريخيًا، وهو ما يجعل النظم الغذائية أكثر هشاشة أمام الصدمات البيئية.
وأشارت الصحيفة إلى أن دراسات سابقة بحثت بالفعل في كيفية تأثير ارتفاع درجات الحرارة، الذي يُسبب انخفاضًا في الغلة ونقصًا في الإمدادات، على التضخم العام في أسعار المواد الغذائية على المدى الطويل .. ومع ذلك، يُظهر البحث الجديد أن بعض المواد الغذائية تشهد أيضًا زيادات حادة في أسعارها على المدى القصير، مما يُسهم في التضخم.
وتناولت الدراسة قفزات سعرية عالمية بفعل المناخ، ففي أوروبا على سبيل المثال، ارتفعت أسعار زيت الزيتون بنسبة 50% العام الماضي بسبب موجات جفاف طويلة في جنوب إسبانيا خلال الفترة بين عامي 2022-2023.. وفي الهند تسببت موجة حر في مايو الماضي في ارتفاع أسعار البصل 89%.. وفي كوريا الجنوبية؛ حيث قفز سعر الكرنب 70% خلال صيف 2023 بعد درجات حرارة قياسية.
أما في اليابان، فقد ارتفعت أسعار الأرز بنسبة 48% في سبتمبر بعد موجة حر شهدتها البلاد في شهر أغسطس الماضي وفي الصين ارتفعت أسعار الخضراوات 30%.
كذلك، ارتفعت أسعار الخضراوات في ولايتي كاليفورنيا وأريزونا الأمريكيتين بنسبة 80% في نوفمبر 2022 بفعل الجفاف .. ووصف الباحث الرئيسي للدراسة ماكسيميليان كوتز هذه الأحداث بأنها "غير مسبوقة تاريخيًا"، مشيرًا إلى أن درجات الحرارة المسجلة كانت "بعيدة تمامًا عن أي نطاق متوقع في مناخ مستقر غير متأثر بالانبعاثات البشرية".
في الوقت نفسه، حذّرت الدراسة من أن هذه الظاهرة قد تصبح أكثر تواترًا وشدة في السنوات المقبلة مع استمرار تغير المناخ، مما يضع الأمن الغذائي العالمي تحت ضغوط متزايدة.
ووجدت الدراسة أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية غالبًا ما يتبع تقلبات الطقس ببضعة أشهر فقط - وهو نمط حذّر الباحثون من أنه من المرجح أن يصبح أكثر شيوعًا مع تفاقم تغير المناخ.
وقال كوتز، حول هذا الشأن" نعلم أن تقلبات الطقس أصبحت بالفعل أكثر حدة وأكثر تواترًا مما كانت عليه قبل 30-40 عامًا، ونتوقع أن يستمر ذلك طالما استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الارتفاع".
وخلصت الدراسة إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية امتد من مناطق منفردة في جميع أنحاء العالم عبر التجارة .. فقد قفز سعر الشوكولاتة في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، بعد ارتفاع أسعار الكاكاو بمقدار ثلاثة أضعاف في أعقاب الجفاف والحرارة الشديدة في غانا وساحل العاج.
من جانبه، قال راج باتيل من جامعة تكساس الأمريكية وهو لم يشارك في التقرير، إن المضاربة في السوق و"السياسات السيئة" غالبًا ما فاقمت أيضًا تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية المرتبط بتغير المناخ.
وأشار باتيل إلى أنه عندما أدى الطقس الحار في روسيا إلى تأجيج حرائق الغابات التي أدت إلى ارتفاع أسعار القمح في عام 2010، فرضت موسكو حظرًا على الصادرات "أدى إلى ارتفاع سعر القمح العالمي إلى عنان السماء". وقد لعب هذا الأمر دورًا في أعمال شغب الخبز في أماكن بعيدة مثل موزمبيق، مؤكدًا " أن معنى تضخم أسعار المواد الغذائية سياسي ودائمًا ما يكون ذلك".
وأضافت آنا تايلور، المؤلفة المشاركة في الدراسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة الغذاء ومقرها المملكة المتحدة، أن دولًا مثل بريطانيا - التي تعتمد بشكل كبير على السلع المستوردة - كانت معرضة بشكل خاص للصدمات المناخية في الخارج فيما أثارت الدراسة أيضًا تساؤلات للبنوك المركزية، حيث يهدد ارتفاع أسعار المواد الغذائية جهود السيطرة على التضخم العام، لا سيما في الاقتصادات الناشئة حيث يمثل الغذاء حصة أكبر من أسعار المستهلك.
وحول هذا الشأن، قال كوتز " درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير طبيعي تؤثر بشكل مباشر على معدلات التضخم الرئيسية والمحرك الرئيسي هو الغذاء.. وهذا ينعكس على الأسعار الإجمالية".. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت المملكة المتحدة عن زيادة غير متوقعة في معدل التضخم لشهر يونيو إلى أعلى مستوى له في 18 شهرًا عند 3.6%، ويعزى ذلك جزئيًا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.