بوابة بالعربي الإخبارية

تهديد وجودي.. لماذا تعارض إيران مشروع ممر زانجيزور بين أرمينيا وأذربيجان ؟

الإثنين 11 أغسطس 2025 07:46 مـ 16 صفر 1447 هـ
مشروع ممر زانجيزور
مشروع ممر زانجيزور

يكشف رد الفعل الإيراني الصاخب على اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، وحقوق واشنطن الحصرية في تطوير ممر زانجيزور، مجددًا، عن التفاعلات المعقدة بين الاهتمامات الاستراتيجية والتأثيرات الإقليمية التي تهيمن على هذا الجزء من العالم.

ممر زانجيزور

يُعد ممر زانجيزور، الذي أُعيدت تسميته بـ"طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين" بعد أن توسط الرئيس الأمريكي في اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان، أكثر من مجرد طريق عبور بسيط.

بالنسبة لإيران، يُغير هذا الاتفاق، الذي يمتد لـ 99 عامًا، التوازن الاستراتيجي في جنوب القوقاز، وهي منطقة تعتبرها طهران ضمن نطاق نفوذها التقليدي.

سيربط الممر أذربيجان بجيب ناختشيفان عبر جنوب أرمينيا، متجاوزًا بذلك فعليًا كلًا من إيران وروسيا، القوتين اللتين لطالما توسطتا في النزاعات في المنطقة وحافظتا على نفوذ كبير على الترابط الإقليمي.

وقال المسؤولون إن الطريق سيُشغّل وفقًا للقانون الأرمني، وستؤجر الولايات المتحدة الأرض إلى اتحاد شركات للبنية التحتية والإدارة.

نزاع أرمينيا وأذربيجان

خاضت أرمينيا وأذربيجان نزاعين، بالإضافة إلى عدة مناوشات طفيفة، حول منطقة ناغورنو كاراباخ الأذربيجانية، وكان آخر بؤرة توتر رئيسية في سبتمبر 2023، عندما شنت أذربيجان هجومًا عسكريًا واسع النطاق ضد دولة أرتساخ الانفصالية المعلنة من جانب واحد، وهي خطوة اعتُبرت انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في أعقاب حرب ناغورنو كاراباخ الثانية عام 2020.

اتخذت وزارة الخارجية الإيرانية موقفًا مدروسًا ولكنه حازم، حيث رحبت باتفاقية السلام من حيث المبدأ مع تحديد خطوط حمراء واضحة.

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي تطلع إيران إلى التشاور معها بشأن التطورات التي تؤثر على مصالحها، معلنًا عن مشاورات رفيعة المستوى مع أرمينيا تبدأ يوم الاثنين.

يعكس موقف الوزارة سعي طهران لتحقيق التوازن بين التواصل الدبلوماسي والمعارضة الاستراتيجية، مشددةً على أن أي مشاريع إقليمية يجب أن تتم "في إطار المصالح المشتركة، مع احترام السيادة الوطنية وسلامة الأراضي، ودون تدخل أجنبي".

وصرح علي باقري كني، أمين المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، قائلاً: "لن تتجاهل الجمهورية الإسلامية بسهولة قضية زنكزور".

ويتولى المجلس الاستراتيجي مسؤولية صياغة استراتيجيات السياسة الخارجية، ويُعيّن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أعضائه مباشرةً.

ويُبرز وصف باقري كني للتدخل الأمريكي بأنه "تحدٍّ للأمن الإقليمي" وجهة نظر طهران بأن هذا التطور يتجاوز الخطوط الحمراء الراسخة في المنطقة.

ويعكس موقف الوزارة سعي طهران لتحقيق التوازن بين التواصل الدبلوماسي والمعارضة الاستراتيجية، مشددةً على أن أي مشاريع إقليمية يجب أن تتم "في إطار المصالح المشتركة، مع احترام السيادة الوطنية وسلامة الأراضي، ودون تدخل أجنبي".

موقف روسيا من السلام بين أرمينيا وأذربيجان

في حين أعلنت موسكو دعمها للقمة التي عُقدت في واشنطن بين الولايات المتحدة وأرمينيا وأذربيجان، اقترحت "تطبيق حلول وضعتها دول المنطقة نفسها بدعم من جيرانها المباشرين - روسيا وإيران وتركيا" لتجنب ما وصفته بـ"التجربة المحزنة" للجهود الغربية للتوسط في الشرق الأوسط.

وذهبت صحيفة كيهان الإيرانية المتشددة، التي تعمل تحت إشراف المرشد الأعلى، إلى أبعد مدى في اقتراح رد ملموس.

ويُعدّ اقتراحها بأن "تلجأ إيران إلى اتفاقيتي جنيف وجامايكا لحظر مرور السفن التابعة للولايات المتحدة وإسرائيل عبر مضيق هرمز" تحذيرًا من تصعيد كبير، حيث تربط قضية زنكزور بقدرة إيران على تعطيل تدفقات النفط العالمية عبر الخليج العربي، وهو أحد أقوى أدوات الضغط الاقتصادي في البلاد.

تنبع معارضة إيران جزئيًا من الواقع الجغرافي إذ تُعدّ البلاد حاليًا طريق عبور حيوي بين روسيا وأرمينيا، وتستضيف تدفقات تجارية كبيرة في المنطقة.

نفوذ إيران الاقتصادي

إن ممرًا تسيطر عليه الولايات المتحدة يتجاوز الأراضي الإيرانية من شأنه أن يُضعف نفوذ طهران الاقتصادي وأهميتها الاستراتيجية في مشاريع الربط الإقليمي.

يجب فهم رد إيران أيضًا في سياق تنافسها الاستراتيجي الأوسع مع الولايات المتحدة فلم تكن إيران خاضعة تمامًا للقوة العسكرية الأمريكية خلال الصراع القصير مع إسرائيل فحسب، بل تعتبر طهران أيضًا الممر جزءًا من جهود واشنطن لترسيخ موطئ قدم دائم في منطقة تهيمن عليها تقليديًا إيران وروسيا وتركيا.

إن استبعاد روسيا من عملية الوساطة، على الرغم من الدور التاريخي لموسكو وتمركز حرس حدودها على الحدود الأرمينية الإيرانية، يُعزز تصور إيران بأن هذا يُمثل محاولة غربية لإعادة تشكيل هياكل القوة الإقليمية.

يُظهر الرد الإيراني أيضًا مخاوف داخل البلاد بشأن المستقبل الأوسع للتحالفات الإقليمية.

إن تركيز إيران على التشاور مع "دول الجوار" وحرصها على تجنب "التدخل الأجنبي" يُشير إلى أن طهران تخشى سابقة حصول القوى الخارجية على مواقع استراتيجية طويلة الأمد في المنطقة دون استشارة أصحاب المصلحة التقليديين.

مع ذلك، ورغم الخطاب العدواني الصادر عن مختلف المسؤولين الإيرانيين، تواجه طهران قيودًا كبيرة على قدرتها على معارضة مشروع الممر بفعالية.

على الرغم من أن علاقة إيران بأرمينيا إيجابية عمومًا، إلا أنها لا توفر سوى نفوذ محدود لمنع مشاركة يريفان في الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة.

ومن المرجح أن يُظهر قرار أرمينيا حساباتها الخاصة بشأن الموازنة بين القوى المحلية وتحقيق المنافع الاقتصادية.

الوضع الاقتصادي لإيران

إن الوضع الاقتصادي الحالي لإيران، المُعقّد بفعل العقوبات الدولية والتحديات الداخلية، مثل تعطل نظام المياه، يحدّ من قدرتها على تقديم حوافز اقتصادية بديلة يمكن أن تُنافس وعود الاستثمار والتنمية الأمريكية.

كما أن الرد العدواني المفرط قد يُخاطر بعزل إيران عن كل من أرمينيا وأذربيجان، التي تربطها علاقة قوية جدًا بإسرائيل، مما قد يدفعها أكثر نحو الانحياز للغرب بدلًا من منع تطوير الممر.