بوابة بالعربي الإخبارية

أسباب عجز الميزان التجاري الأمريكي 2025.. العوامل والتداعيات الاقتصادية

الثلاثاء 26 أغسطس 2025 01:50 مـ 2 ربيع أول 1447 هـ
أسباب عجز الميزان التجاري الأمريكي
أسباب عجز الميزان التجاري الأمريكي

أسباب عجز الميزان التجاري الأمريكي .. بعد مرور نحو ستة أشهر على إعلان إدارة ترمب فرض أولى الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الصين وكندا والمكسيك، دخلت الرسوم الجمركية المرتفعة حيز التنفيذ على معظم شركاء الولايات المتحدة التجاريين الآخرين منذ 7 أغسطس، مما أدى إلى استقرار نسبي في وتيرة تطبيق هذه السياسة التجارية المثيرة للجدل.

أسباب عجز الميزان التجاري الأمريكي

وعلى الرغم من استمرار حالة عدم اليقين بشأن الآثار الاقتصادية النهائية لهذه الرسوم، إلا أن بعض المؤشرات بدأت تتضح تدريجياً. فمن جهة، ساهمت الرسوم في زيادة الإيرادات الحكومية الأمريكية بنحو 65 مليار دولار حتى الآن، بينما شهدت أسعار المنتجات ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة زيادة تكاليف الاستيراد.

لكن الدافع الأساسي الذي دفع الولايات المتحدة لتطبيق هذه الرسوم كان تقليل العجز التجاري الذي يعاني منه الاقتصاد الأمريكي. إلا أن البيانات الأخيرة تشير إلى أن الطريقة الوحيدة لتحقيق خفض مستدام في العجز التجاري تكمن في زيادة المدخرات المحلية أو تقليل النمو والاستثمار، الأمر الذي يحمل تأثيرات معقدة على الاقتصاد.

تقلبات العجز التجاري الأمريكي

شهد العجز التجاري الأمريكي تقلبات ملحوظة خلال الأشهر الماضية، حيث وصل إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في مارس (حوالي 138 مليار دولار) قبل أن يتراجع إلى 2.4% في يونيو (60 مليار دولار)، وهو مستوى يتشابه مع عجز عام 2023 ومعدلات ما بعد الأزمة المالية العالمية في الفترة بين 2014 و2019.

من جانب آخر، يعتبر ميزان الحساب الجاري مقياساً أكثر شمولاً يعكس تدفقات الاستثمار إلى جانب التجارة، حيث ارتفع عجز الحساب الجاري إلى 6% من الناتج المحلي في الربع الأول من 2025، قبل أن يُرجح أن ينخفض إلى 4.5% في الربع الثاني مع استمرار الاقتصاد في التكيف مع نظام الرسوم الجديد.

توضح التحليلات أن التغيرات في ميزان الحساب الجاري مرتبطة مباشرة بمدى قدرة الولايات المتحدة على زيادة مدخراتها وخفض عجز الميزانية العامة، أو تقليص الاستثمار الخاص. ورغم أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى زيادة الإيرادات الحكومية، إلا أنها تضغط على أسعار السلع وتخفض الدخل الحقيقي، مما قد يقلل من المدخرات الخاصة.

تباطؤ الاستثمار المحلي

القناة الأكثر ترجيحاً لتأثير الرسوم على خفض العجز الخارجي هي تباطؤ الاستثمار المحلي، حيث من المتوقع أن تؤدي الرسوم إلى تقليل استثمارات القطاع الخاص في التجارة والإنتاج، وبالتالي إبطاء النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وتقدر الدراسات أن الرسوم ستخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.4% على المدى البعيد، نتيجة تراجع الإنتاجية والاستثمار.

ومن الجدير بالذكر أن الدولار الأمريكي، رغم توقعات تقويته بفعل الرسوم، شهد تراجعاً نسبته 3.1% مقارنةً بمتوسط عامين سابقين، وهو عامل آخر يضغط على العجز التجاري. لكن أي تباطؤ في النمو والاستثمار سيأتي بثمن اقتصادي مرتفع، قد يؤدي إلى تراجع نمو الأجور وتفاقم مشكلات المالية العامة الأمريكية التي تواجه ديوناً وعجزاً كبيرين.

في المقابل، قد تحقق الرسوم زيادة في مدخرات الحكومة عن طريق رفع الإيرادات وتقليص العجز في الموازنة الاتحادية، حيث تشير التقديرات إلى أن الرسوم قد تحقق ما يقارب 2.2 تريليون دولار خلال عشر سنوات بعد احتساب تأثيراتها على تباطؤ النمو الاقتصادي.

ومع ذلك، فإن هذا المكسب قد يُستنزف من قبل زيادة الإنفاق الحكومي، إذ أقر الكونجرس مؤخراً مشروع قانون للضرائب والإنفاق يقدر بنحو 3.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل، مما يزيد من توقعات العجز بدلاً من تقليصها.

السؤال الأهم يكمن في مدى جدوى السعي لخفض العجز التجاري على أساس ثنائي مع كل شريك تجاري، وهو ما تعتبره العديد من الدراسات الاقتصادية غير منطقي، حيث يعكس العجز التجاري في كثير من الأحيان التخصص الاقتصادي وسلاسل التوريد العالمية، وليس بالضرورة اختلالاً أو ضرراً اقتصادياً.

على المستوى الأوسع، قد تكون الاختلالات الاقتصادية الكلية أكثر إثارة للقلق إذا ما كانت ناجمة عن تشوهات هيكلية في الاقتصاد، وعليه فإن أفضل طريقة لمعالجة العجز التجاري هي عبر خفض العجز المالي الحكومي بدلاً من فرض قيود تجارية متبادلة.