400 مليار دولار في عام واحد.. الذكاء الاصطناعي يشعل سباقًا استثماريًا عالميًا

في مشهد اقتصادي وتكنولوجي غير مسبوق، يعيش العالم اليوم واحدة من أضخم الطفرات الاستثمارية في تاريخه الحديث، حيث يزداد اندفاع رؤوس الأموال نحو قطاع الذكاء الاصطناعي بوتيرة تفوق حتى فقاعة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي.
تشير التقديرات إلى أن شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى ستنفق هذا العام وحده ما يقارب 400 مليار دولار على البنية التحتية اللازمة لتشغيل وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي.
كما تقترب القيمة السوقية المجمعة لشركات رائدة مثل OpenAI وAnthropic من نصف تريليون دولار، مع استمرار تدفق الاستثمارات الضخمة إليها بمعدلات غير مسبوقة.
ولا يتوقف الأمر عند الشركات البرمجية فقط؛ فالاستثمار في مراكز البيانات يشهد طفرة كبرى، وسط توقعات بأن يتجاوز الإنفاق العالمي على هذا القطاع 3 تريليونات دولار بحلول عام 2028، ما يعكس إيمانًا واسعًا بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل بوابة نحو عصر اقتصادي جديد.
حمى الذكاء الاصطناعي.. سباق نحو "الذكاء العام"
الرهان الأكبر اليوم هو الوصول إلى ما يُعرف بـ "الذكاء الاصطناعي العام" (AGI)، وهو المستوى الذي يمكن فيه للأنظمة الذكية التفوق على الإنسان في المهام المعرفية. السباق للوصول إلى هذه المرحلة لا يعرف التردد، بل يُغذيه منطق "الفائز يظفر بكل شيء"، حيث تتسابق الشركات على بناء النماذج الأكبر والأكثر تطورًا، مدفوعة بأرباح مستقبلية يُعتقد أنها غير محدودة.
هذا الزخم الاستثماري غير المسبوق اجتذب فئات جديدة من المستثمرين، بدءًا من مطوري العقارات الذين يسارعون لبناء مراكز البيانات، مرورًا بشركات الطاقة التي تسعى لتلبية الطلب المتزايد، وصولًا إلى شركات عملاقة مثل Oracle التي حققت قفزات كبيرة في قيمتها السوقية مدفوعة بتوقعات أعمالها السحابية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
سيناريوهات المستقبل بين وعود الازدهار ومخاوف الانهيار
رغم كل هذا التفاؤل، يرى الخبراء أن المسار ليس مضمونًا. فبينما يشير السيناريو المتفائل إلى دخول البشرية في عصر من النمو الاقتصادي السريع – قد يتجاوز 20% سنويًا – هناك سيناريوهات أكثر تحفظًا تشير إلى أن التكنولوجيا قد لا تسلك الطريق المتوقع.
أحد التحولات المثيرة للاهتمام يتمثل في اتجاه المستخدمين إلى نماذج لغوية أصغر وأكثر كفاءة، ما قد يحد من جدوى الاستثمارات الضخمة في مراكز البيانات فائقة القدرة. أضف إلى ذلك، التحديات التقنية، والقيود على الطاقة، والمقاومة البيروقراطية داخل المؤسسات، التي قد تُبطئ تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
في حال تباطؤ التوقعات، قد يتراجع تدفق التمويل الاستثماري، وقد تنهار شركات ناشئة تحت وطأة التكاليف الضخمة وعدم تحقيق العوائد المتوقعة، ما يفتح الباب أمام ما يُعرف بـ "شتاء الذكاء الاصطناعي" – حالة من التراجع الحاد في الحماس والتمويل لهذا القطاع.
طفرة بلا ضمانات.. ما الذي قد يخسره الاقتصاد العالمي؟
حتى لو لم تنهار الطفرة كليًا، قد يثبت أن الكثير من الإنفاق الحالي كان غير ضروري، خاصة أن نحو نصف الاستثمارات موجهة نحو خوادم ورقائق متخصصة قد تتقادم بسرعة. وعلى عكس البنى التحتية التي خلفتها فقاعة الإنترنت – والتي لا تزال مفيدة حتى اليوم – قد لا تترك طفرة الذكاء الاصطناعي إرثًا ماديًا طويل الأمد.
ومع أن معظم الإنفاق يجري تمويله من أرباح شركات كبرى وليس من ديون مصرفية محفوفة بالمخاطر، فإن توسع رقعة الاستثمار قد يخلق هياكل تمويل أكثر هشاشة، خصوصًا إذا انجذبت شركات مثقلة بالديون إلى هذا السباق المحموم.
وفي حال حدوث تباطؤ مفاجئ، فإن الاقتصاد الأمريكي سيكون الأكثر تأثرًا، إذ تشير بيانات إلى أن الذكاء الاصطناعي أسهم بنسبة 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في عام واحد فقط – رغم أنه لا يشكل سوى نسبة صغيرة من الاقتصاد الإجمالي.
الأسهم والإنفاق الاستهلاكي.. أثر غير مباشر لكن كبير
تأثيرات انهيار محتمل لا تقتصر على الشركات والمستثمرين. فالمستهلكون، الذين ازدادت ارتباطاتهم بأسواق الأسهم، قد يشعرون بتداعيات أي انهيار في القيم السوقية للشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مما ينعكس سلبًا على ثقتهم وإنفاقهم، ويعمّق الأثر الاقتصادي العام.