بوابة بالعربي الإخبارية

سامر شقير يكتب: خارطة طريق المستثمر الذكي في القطاعات غير النفطية بالسعودية

السبت 20 سبتمبر 2025 08:01 مـ 27 ربيع أول 1447 هـ
سامر شقير يكتب: خارطة طريق المستثمر الذكي في القطاعات غير النفطية بالسعودية

لم يعد التنويع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية مجرد شعار عابر، بل واقع يتشكّل يومًا بعد يوم مع تسارع مشاريع رؤية 2030، ما يضع المستثمر أمام سؤال واحد حاسم: كيف يختار المسار الذي يوازن بين العائد المتوقع والمخاطر وفق نضج كل قطاع ودورة رأس ماله؟

هذه الخريطة العملية تقترح قراءة مترابطة للمشهد حتى يتخذ المستثمر قراره بثقة أعلى ووتيرة أسرع

في قلب التحولات يقف قطاع الطاقة المتجددة كنموذج للنضج السريع، مدفوعًا بهدفٍ واضح يتمثل في أن تأتي 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030. وتكمن قوة هذا القطاع في ميل عوائده إلى الثبات بفضل عقود شراء طويلة الأجل مع المشتري الموحّد Saudi Power Procurement Company ‏(SPPC) ضمن برنامج National Renewable Energy Program ‏(NREP)، لا بوعدٍ عام على طريقة “الضمان الحكومي”. وقد شهد يوليو 2025 توقيع اتفاقات شراء طاقة لمشروعات شمسية ورياح بسعة 15 جيجاواط بقيادة تحالف تتقدمه ACWA Power وبشراكات استثمارية من Badeel وSaudi Aramco Power Company ‏(SAPCO)، ما يخلق فرصًا متزايدة على طول سلسلة القيمة من التوريد والإنشاءات إلى التشغيل والصيانة

وبموازاة ذلك يبرز قطاع التعدين والمعادن الحرجة في مرحلة نمو مبكرة لكنه واعد كمحرّك مستقبلي للاقتصاد، مع تقدير مُعلَن لقيمة الموارد غير المستغلة يناهز 2.5 تريليون دولار تظل مرهونة بنتائج الاستكشاف والجدوى. ورغم كثافة رأس المال وارتفاع المخاطر الجيولوجية والتنفيذية، فإن العائد المتوقع مغرٍ لمن يختار مدخلًا ذكيًا عبر شراكات تقنية مبكرة أو عبر الخدمات المساندة مثل الحفر والمعالجة واللوجستيات التي توفر دورات استرداد أسرع ومخاطر تشغيلية أدنى

ويمتد المنطق نفسه إلى قطاعات الخدمات التي تتقدم بخطى ثابتة، حيث يظهر القطاع اللوجستي والموانئ درجة نضج متزايدة مستندًا إلى موقع المملكة المحوري على خطوط التجارة العالمية.

وقد سجلت الموانئ نموًا ملموسًا في يوليو 2025 بلغ 12.01% ليصل حجم مناولة الحاويات إلى 722,502 حاوية نمطية TEU، تلاه أغسطس 2025 بنمو 9.5% عند 750,634 حاوية مع قفزة ملحوظة في الترانزشيبمنت، ما يترجم إلى فرص عملية في محطات المناولة وسلاسل التبريد والخدمات المضافة داخل المناطق اللوجستية مع دورة رأس مال متوسطة واسترداد معقول

ولا يكتمل مشهد التحول من دون السياحة والترفيه اللذين ينموان بقوة غير مسبوقة؛ فقد استقبلت المملكة 116 مليون زائر في 2024 بزيادة 6% عن 2023، الأمر الذي يعزز جدوى تطوير الفنادق والوجهات والفعاليات. ويبدأ تخفيف الموسمية من تنويع المنتجات نحو سياحة الاجتماعات والمؤتمرات والمعارض ‏(MICE) والسياحة الطبية والرياضية، على أن تُدار الأسعار والإشغال بأدوات متقدمة لإدارة الإيرادات حتى تبقى الهوامش صحية عبر المواسم

ويتجاور مع ذلك مسار التقنية والسحابة والمدفوعات حيث تتسارع الاستثمارات في البنية الرقمية بما يقلل دورة رأس المال ويزيد تكرار الإيراد. فقد دخلت منطقة Google Cloud في الدمام حيّز التشغيل منذ نوفمبر 2023 مع توسيع القدرات لاحقًا في 2024، وافتتحت Oracle منطقة ثانية في الرياض في أغسطس 2024، فيما تمضي AWS نحو إطلاق منطقة سحابية متوقعة في 2026 باستثمار يتجاوز 5.3 مليارات دولار. وعلى مستوى التجربة المالية الرقمية أطلق البنك المركزي السعودي خدمة Google Pay في 15 سبتمبر 2025 عبر شبكة “مدى”، ما يوسّع قاعدة الاستخدام ويفتح شهية نماذج أعمال B2B وSaaS المتوافقة مع سيادة البيانات ومتطلبات الامتثال المحلي

وبالتوازي يشهد قطاعا الرعاية الصحية والتعليم تحولًا هيكليًا عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تتوقع وزارة الصحة أكثر من مئة مشروع خلال خمس سنوات باستثمارات تقارب 12.8 مليار دولار ضمن نماذج دفع قائمة على “التوافر” و“الخدمة” لتقليل مخاطر الطلب وتثبيت التدفقات النقدية. وفي التعليم تتقدّم موجات مدارس الشراكة بدءًا من جدة ومكة ثم المدينة المنورة عبر نموذج البناء–الصيانة–النقل ‏(BMT) الذي يربط الدفعات بالأداء على مدى عقود الامتياز، ما يمنح المستثمر رؤية أوضح للمخاطر والعائد

وعند جمع هذه الخيوط تتضح الصورة كمحفظة قطاعات لا كقطاع واحد؛ فهناك مسارات رأسمالية كثيفة بعوائد مستقرة مثل المتجددة ومشروعات الشراكة، تقابلها أنشطة خدماتية أسرع دورانًا مثل اللوجستيات والتقنية، وبينهما قطاعات نامية عالية الإمكانات كالتعدين تحتاج شهية محسوبة للمخاطرة ومهارة في هيكلة الدخول.

والاستراتيجية الأذكى هي التي تمزج بين الاستقرار والديناميكية مع متابعة لصيقة للإشارات السوقية والتنظيمية، لأن لحظة القرار الجيدة في اقتصاد يتحرك بهذه السرعة قد تصنع فارقًا يضاعف العائد ويقلّص المخاطر في آن واحد.