بوابة بالعربي الإخبارية

حوار خاص | الباحثة المغربية سمر الخمليشي: 3 وسائل تمكن مصر من مواجهة أزمات القرن الأفريقي والبحر الأحمر

الأحد 21 سبتمبر 2025 05:13 مـ 28 ربيع أول 1447 هـ
الخبيرة في الشئون الأفريقية الدكتورة سمر الخمليشي
الخبيرة في الشئون الأفريقية الدكتورة سمر الخمليشي

يعد الصراع في الشرق الأوسط محط أنظار الجميع حول العالم، وفي الإطار نفسه ترتبط منطقتي البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بما يجري في الشرق الأوسط بشكل أو بآخر حيث تتماس مع المناطق الساخنة في أكثر من جهة حيث يتصل البحر الأحمر بالبؤر الساخنة في دول الخليج وإيران والسودان واليمن المتصلين مباشرة أيضا بالقرن الأفريقي، خاصة وأن المنطقتين محط أنظار القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين وروسيا.

الأزمات في البحر الأحمر والقرن الأفريقي

وفي محاولة لاستطلاع مستجدات وتطورات الأوضاع في البحر الأحمر والقرن الأفريقي كان لبوابة "العربي الإخبارية" هذا الحوار مع الخبيرة في الشئون الأفريقية الدكتورة سمر الخمليشي، أستاذة العلوم السياسية بالمعهد الجامعي للدراسات الافريقية, الأورو متوسطية والايبيرو أمريكية بجامعة محمد الخامس في المغرب.

وإلى نص الحوار:

كيف تصفون الوضع الحالي في منطقة القرن الإفريقي من الناحية السياسية والأمنية ؟

تشهد منطقة القرن الأفريقي مرحلةً من الضعف المتزايد، صراعات داخلية لم تُحل، وهشاشة الدولة، وتداخل القضايا المحلية والتنافسات الخارجية.

ولا يزال العنف السياسي والعسكري مرتفعًا في العديد من دول المنطقة مما يخلق بيئةً من عدم الاستقرار المزمن والمخاطر العابرة للحدود.

ما أبرز التحديات التي تواجه دول القرن الإفريقي حاليا ؟

التحديات متعددة على رأسها الصراعات المسلحة والتفتت السياسي مثل ما يجري في إثيوبيا والسودان وأجزاء من الصومال، وإعادة تعبئة الجهات المسلحة، والحكم الغير شرعي.

الأمر الأخر هو الجماعات الجهادية والجريمة المنظمة مثل حركة الشباب وداعش في الصومال، حيث تستغل هذه التنظيمات الفراغات الأمنية والأزمات الإنسانية، والنزوح الجماعي، التي تستنفذ قدرات الدولة وتدفع إلى تدويل الاستجابات، والتدخل الخارجي.

إلى جانب التنافسات الخارجية على النفوذ في هذا المنطقة والرغبة في فرض العسكرة عليها بوجود قوات أجنبية، والشراكات الأمنية التنافسية.

وفيما يتعلق بإثيوبيا فإن التوترات بين الجهات الفاعلة الفيدرالية والإقليمية (خاصة في الشمال) تؤدي إلى تدفقات اللاجئين، وإحياء التنافسات عبر الحدود (إريتريا والسودان وجنوب السودان)، وإضعاف ممرات التجارة الإقليمية

وفي السودان تسبب الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي اندلعت منذ أبريل 2023 إلى تفتيت الدولة، وتعطيل البنية الأساسية والصادرات، وتضاعف عدد الجهات المسلحة الخارجة عن السيطرة - وكلها تصدر عدم الاستقرار إلى القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

وفيما يتعلق بالصومال فإن استمرار حركة الشباب يوفر بيئة إرهابية قادرة على شن هجمات عابرة للحدود الوطنية وهجمات بحرية وتخريب جهود الاستقرار الإقليمي، كما أن داعش له وجود محدود خاصة في منطقة بونتلاند الجبلية

وتتراكم هذه البؤر الثلاثة، الصراعات البرية، والأزمات الإنسانية، وإعادة إنتاج حلقة مفرغة حيث يؤدي الانهيار الجزئي للدولة إلى جعل الجيران والطرق البحرية أكثر عرضة للخطر.

ما أبرز المخاطر الأمنية البحرية التي تهدد دول المنطقة بما فيها مصر ؟

هجمات ميليشيات الحوقي على السفن المارة في البحر الأحمر وخليج عدن تعطل بالتأكيد حركة الملاحة عبر قناة السويس-البحر الأحمر وقد زادت هذه الحوادث من المخاطر على الشحن التجاري، وأقساط التأمين، واستمرارية سلاسل التوريد.

وهناك كذلك تجدد أعمال القرصنة والجرائم البحرية (النهب واحتجاز الرهائن) في المناطق ذات الحكم الضعيف كما أن العسكرة البحرية وتواجد الأساطيل الأجنبية يمكن أن يؤدي الى خطر المواجهات العرضية واستغلال المياه الإقليمية.

ولا يجب أن ننسى المخاطر الهجينةأي الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية للموانئ، واختطاف الحاويات، واستغلال التقنيات الجديدة من قبل جهات غير حكومية.

كيف يمكن لمصر والدول المطلة على البحر الأحمر التعاون لمواجهة هذه التحديات ؟

انطلاقا من الواقعية الاستراتيجية والدبلوماسية الوظيفية، أقترح إنشاء منصة أمنية بحرية متعددة الأطراف (مصر وجيبوتي والسودان وإريتريا إذا أمكن، والسعودية وإثيوبيا بصفة مراقب) لتبادل المعلومات الاستخباراتية البحرية في الوقت الفعلي ومناطق التنبيه وبروتوكولات القوافل المدنية.

إلى جانب استحداث مراكز إقليمية للمراقبة والمساعدة في حركة المرور التجارية (دمج نظام التعريف التلقائي, معلومات الموانئ، التنسيق المدني العسكري)، بالإضافة إلى آليات مشتركة لمكافحة القرصنة والإرهاب البحري ، والتدريب المشترك والمناورات البحرية المنتظمة تحت إشراف أفريقي/أممي، من أجل تجنب الاعتماد المفرط على الجهات الخارجية.

كيف تؤثر النزاعات في القرن الإفريقي على الأمن القومي المصري ؟

بالطبع لها تأثير مباشر على مصر، من الناحية الاقتصادية تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس يؤثر على عائدات الضرائب والعبور التجاري وإمدادات الطاقة.

وأمنيا فإن مخاطر الهجمات عبر الحدود وتسلل الجهات الفاعلة غير الحكومية عبر الطرق البحرية والساحلية؛ والحاجة إلى حماية البنية التحتية الاستراتيجية للموانئ.

وكذلك المخاطر والتأثيرات الديموغرافية السياسية، التي يمكن يمكن أن ينتج عنها الهجرة والمتطلبات الإنسانية على الاستقرار الداخلي والأجندة السياسية، وبالتالي، يجب على مصر أن تنظر إلى القرن الأفريقي كساحة مصالح وطنية، وأن تعمل من خلال التعاون الإقليمي والاستعراض غير العدواني لقدراتها البحرية والإنسانية.

ما أبرز الحلول الممكنة لتهدئة الصراعات في القرن الإفريقي ؟

يمكن أن نلجأ إلى عدد من الحلول من بينها الوساطة الإقليمية المنسقة التي يمكن أن يشارك فيها الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والدول المشاطئة، مع ضامنين دوليين محايدين.

إلى جانب حزم الحوافز السياسية والاقتصادية، وربط إعادة التأهيل والاستثمار بإصلاحات الحوكمة وإحراز تقدم ملموس في مجال نزع السلاح والعدالة الانتقالية.

بالإضافة إلى تعزيز القدرات المحلية (العدالة والشرطة والإدارة) بدلاً من الاعتماد على القوات الأجنبية الخاصة، وأخيرا تعزيز برامج إنسانية وإنمائية مختلطة تهدف إلى تقليص المساحة المتاحة للجماعات المسلحة كالوظائف المحلية، والخدمات الأساسية.

كيف تصف سياسة ترامب تجاه القارة الإفريقية مقارنة بسابقيه من الرؤساء الأمريكيين؟

سياسة ترامب بشأن أفريقيا يمكن تلخيصها في فكرتين - مقارنة بالرئاسات السابقة وقراءة لآثارها.

أولا الأسلوب والأولويات، حيث تميزت رئاسة ترامب بأسلوب يركز على المصالح الاقتصادية والأمن الفوري - استثمار دبلوماسي متعدد الأطراف أقل اتساقًا من بعض الرؤساء السابقين، والتركيز على المنافسة مع الصين والوصول إلى الموارد.

وثانيا أدوات ملموسة، وهو الحد من أشكال معينة من المساعدات، والخطاب الأحادي الجانب، والمبادرات مثل مبادرة Prosper Africaوهي مبادرة أمريكية أطلقت في عام 2019 لتعزيز التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا ، والانتقال من المساعدات الإنسانية إلى منطق الشراكة الاقتصادية.

كما ينصب التركيز في عهد ترامب على مكافحة الإرهاب وعلى الصعيد التجاري، خلقت القرارات الحمائية (الرسوم الجمركية، والتغييرات في الأنظمة التفضيلية) حالة من عدم اليقين لدى الشركاء الأفارقة الذين يعتبرون هذه المبادرات غير متكافئة وضعيفة الهيكل.

باختصار، يطبق ترامب منطقًا على أفريقيا من هذا النوع: بدلاً من إعطاء الأموال التي تخاطر باستحواذ النخب عليها ، فإنه يفضل تقديم أدوات لخلق القيمة بشكل مباشر - التجارة والاستثمار والوظائف.

كيف أثرت قرارات ترامب الاقتصادية، مثل الرسوم الجمركية أو قيود التجارة، على العلاقات مع دول إفريقيا ؟

أدت الإجراءات الحمائية وتعديلات الأنظمة التفضيلية (قانون النمو والفرص في أفريقيا/نظام الأفضليات المعمم) إلى تفاقم حالة عدم اليقين لدى المصدرين الأفارقة كفرض عقوبات على قطاعات معينة.

مماعجّل بحث الدول الأفريقية عن شركاء تجاريين آخرين (الصين) وكان للرسوم الجمركية والتهديدات بزيادة الحواجز أثرٌ جزئي على التجارة، مما أفاد شركاء آخرين.

هل أدت سياسة ترامب إلى تعزيز النفوذ الصيني أو الروسي في أفريقيا ؟

نعم بشكل غير مباشر فإن تراجع أو ضعف القدرة على التنبؤ بالمشاركة الأمريكية أتاح مجالًا للمناورة للصين (الاستثمارات، ومبادرة الحزام والطريق، والدبلوماسية الاقتصادية) وروسيا (الدور الأمني عبر الشركات شبه العسكرية ومبيعات الأسلحة). وقد استغلت بكين وموسكو المساحة التي تركتها واشنطن لتعزيز شراكاتهما الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية.

ولكن لنكن صريحين، لم تُعتبر أفريقيا يومًا أولوية استراتيجية للولايات المتحدة.

هل هناك توقعات بتغيّر السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا بعد إدارة ترامب؟

لا تزال السياسة الأمريكية دورية ويمكن إعادة توجيهها إذا اختارت الإدارة إعادة أفريقيا إلى مركز الاهتمام (الاستثمارات، والصحة، والتعاون الاقتصادي)، أو على العكس، زيادة تنافسيتها وانتقائيتها (إعطاء الأولوية للمعادن/سلاسل التوريد ومكافحة الإرهاب).

تعتمد احتمالات التغيير بشكل طفيف على الماضي القريب، وبشكل كبير على الحسابات الجيوستراتيجية (الصين/روسيا)، والأجندة المحلية الأمريكية، والأحداث الإقليمية الملموسة.

باختصار يمكن توقع سياسة أكثر براغماتية وتنافسية، لكن الاتجاه الدقيق سيعتمد على أولويات واشنطن الأمنية والاقتصادية، وقدرة الدول الأفريقية على التفاوض بشأن عروض بديلة.