القيمة المضافة تحكم: من تكرير ”أرامكو” إلى إدراج ”الرومانسية”

في خضم التوسع الاقتصادي الهائل الذي تشهده السعودية، المدفوع بتوقعات نمو تبلغ 4.6% للعام المقبل، لم يعد الهدف هو مجرد تنويع مصادر الدخل، بل هو تطبيق مبدأ اقتصادي أكثر عمقاً: تحقيق القيمة المضافة في كل قطاع. هذا المبدأ يحكم تحرك المملكة من الصناعات الثقيلة مروراً بالخدمات وصولاً إلى تنظيم الأصول العقارية. ببساطة، تسعى الرؤية إلى استخلاص أقصى قيمة ممكنة من كل مورد متاح.
يتجسد هذا المسعى بوضوح في القطاع الحيوي للنفط. فبدلاً من بيع النفط خاماً، أكد مسؤول في "أرامكو" على الضرورة الاستراتيجية للتوسع في قطاعي التكرير والكيمياويات. هذه الخطوة تضمن أن النفط يتحول إلى منتجات نهائية ذات قيمة أعلى بكثير، ما يعزز مرونة محفظة الشركة ويقلل من اعتماد ميزانية الدولة على التقلبات السعرية للخام. إنها رؤية تحويل المورد الأساسي إلى أصل صناعي أكثر تعقيداً واستدامة، تتماشى مع الطموح لتعزيز مساهمة القطاع غير النفطي.
وفي موازاة تنويع الأصول الصناعية، تسعى المملكة إلى تعميق القيمة في قطاع الخدمات عبر تنويع الملكية. موافقة هيئة السوق المالية على إدراج وطرح 30% من أسهم سلسلة مطاعم "الرومانسية" للاكتتاب العام تعكس انتقال الشركات العائلية الكبرى إلى ملكية عامة. هذه العملية لا تزيد من حجم السوق المالية فحسب، بل ترفع من مستويات الحوكمة والشفافية في قطاع الخدمات المحلي وتسمح للمواطنين بالاستثمار في نجاح هذه العلامات التجارية الشهيرة. إنها خطوة حاسمة لتعميق السوق وتوزيع الثروة.
ولا يتوقف البحث عن القيمة عند المصانع والمطاعم؛ بل يمتد إلى الأصول العقارية الثابتة. حيث يهدف التنظيم الحكومي إلى تحويل الأراضي من مجرد أصول مُحتكرة إلى أداة للتنمية. إعلان شركة "طيبة للاستثمار" عن خضوع 60 ألف متر مربع من أراضيها لرسوم الأراضي البيضاء، بمثابة دليل على أن الحكومة تستخدم هذه الرسوم كآلية لكسر احتكار الأراضي الخام. هذا الضغط يهدف إلى ضخ المزيد من الأراضي في السوق العقاري، مما يخلق قيمة مضافة للمجتمع من خلال زيادة المعروض السكني ودعم برامج الإسكان.
بالنتيجة، فإن النمو السعودي المتوقع بـ 4.6% ليس نمواً كمياً فقط، بل هو نمو مدفوع بزيادة الكفاءة والذكاء في استخلاص القيمة من كل مصدر. سواء كان ذلك عبر تحويل النفط إلى كيمياويات متقدمة، أو تحويل المطاعم العائلية إلى شركات مساهمة عامة، أو تحويل الأراضي الخاملة إلى فرص إسكانية. هذا هو جوهر التحول الذي تقوده الرؤية: اقتصاد ينمو بالجودة والاستراتيجية، لا بالكمية والصدفة.
ورغم قوة الطرح وترابط الأفكار، تبقى الإشارة إلى بعض الأرقام الدقيقة إضافة كانت ستثري المقال.
فإدراج بيانات مثل حجم استثمارات "أرامكو" في التكرير، أو تقييم "الرومانسية" عند الطرح، أو التأثير الكمي لرسوم الأراضي البيضاء، كان سيمنح التحليل عمقًا أكبر ويعزز مصداقيته. فالأرقام لا تثقل النص، بل تُرسّخ فهم القارئ وتدعم الرؤية المطروحة بمرجعية ملموسة.