بوابة بالعربي الإخبارية

صندوق الاستثمارات العامة.. يقود التحول نحو التمويل الأخضر عالميًا

الأربعاء 8 أكتوبر 2025 11:43 صـ 15 ربيع آخر 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

مرةً أخرى، يثبت صندوق الاستثمارات العامة (PIF) أنه ليس مجرد ذراع استثماري للمملكة، بل هو محرك رئيسي يوجه بوصلة الاقتصاد العالمي نحو الاستدامة والتمويل الأخضر. فإصدار الصندوق الأخير لسندات خضراء مقومة باليورو بقيمة 1.65 مليار يورو لم يكن مجرد عملية تمويلية تقليدية، بل إعلان استراتيجي يؤكد التزام الصندوق بدمج العائد الاقتصادي مع الأثر البيئي، في خطوة تعكس رؤية السعودية الطموحة نحو اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة.

ثقة عالمية بأرقام قياسية

اللافت في هذا الإصدار ليس حجمه فحسب، بل الإقبال الهائل من المستثمرين الأوروبيين، حيث تجاوزت طلبات الشراء 8.7 مليارات يورو، أي ما يعادل أكثر من خمسة أضعاف قيمة الطرح. هذه الأرقام تعكس بوضوح الثقة العالمية المتزايدة في قوة الاقتصاد السعودي وكفاءة إدارة الصندوق، الذي أصبح من أكبر الصناديق السيادية وأكثرها تأثيرًا في توجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع المستقبل المستدام.

وجاء الإصدار على شريحتين: الأولى لأجل ثلاث سنوات بقيمة 800 مليون يورو، والثانية لأجل سبع سنوات بقيمة 850 مليون يورو. وتكمن أهمية الخطوة في أنها تفتح الباب أمام تنويع مصادر التمويل بعيدًا عن الدولار، وتعزز حضور السعودية في الأسواق الأوروبية التي تُعد من أكثر الأسواق اهتمامًا بالاستثمار المستدام، مما يمنح الصندوق مرونة أكبر في إدارة محفظته.

ويُعد هذا الإصدار الرابع ضمن برنامج الصندوق للسندات الخضراء، ما يعكس استمرارية التوجه الاستراتيجي نحو التمويل المستدام وجذب المستثمرين العالميين من مختلف القارات.

تجسيد "رؤية 2030" على أرض الواقع

ينسجم هذا الإصدار تمامًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تضع التحول الأخضر في صلب استراتيجيتها التنموية. فالمملكة لا تكتفي بالحديث عن الاستدامة، بل تُجسدها عملياً عبر استثمارات ضخمة يقودها الصندوق في مشاريع رائدة مثل الطاقة المتجددة، و الهيدروجين الأخضر، والبنية التحتية منخفضة الانبعاثات.

والأهم من ذلك أن الرسالة الأعمق من هذه الخطوة هي أن السعودية اليوم لا تسعى لمواكبة التوجهات العالمية فحسب، بل تسعى لقيادتها. فبينما تتسابق الاقتصادات الكبرى نحو تبني أدوات التمويل الأخضر، يأتي صندوق الاستثمارات العامة ليبرهن أن التحول المستدام يمكن أن يكون مربحًا، وجاذبًا لرؤوس الأموال، ومؤثرًا في الوقت ذاته.

نمو مستدام برؤية عالمية

في الختام، يرسخ هذا الإصدار الجديد مكانة الصندوق كقوة مالية عالمية تمتلك رؤية واضحة: تحقيق عوائد مجزية دون الإخلال بمسؤوليتها تجاه البيئة والأجيال القادمة. إنها معادلة النمو المستدام التي أثبت الصندوق قدرته على تحقيقها بثقة واقتدار، ليبقى نموذجًا عالميًا في كيفية الجمع بين القيمة الاقتصادية والاستدامة البيئية في آنٍ واحد.