بوابة بالعربي الإخبارية

تنظيم الذهب... بريق جديد للسوق السعودي

الأحد 19 أكتوبر 2025 02:11 مـ 26 ربيع آخر 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

التعديلات الحديثة على نظام المعادن الثمينة تعيد رسم ملامح القطاع بين الشفافية والجودة، وتفتح الطريق أمام صناعة سعودية أكثر تنافسية.

في خطوة تعكس نضج السوق السعودي وتطوره المؤسسي، تدخل تعديلات نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة حيّز التنفيذ لتحدث تحولًا جذريًا في واحدة من أقدم وأهم الأسواق في المملكة.

فبعد عقود من النمو العفوي، يأتي التنظيم الجديد ليضع قواعد أكثر وضوحًا للمنافسة العادلة، ويحمي المستهلك من الغش والتلاعب، ويهيئ البنية التحتية لصناعة مجوهرات وطنية بمعايير عالمية — ليبدأ "عصر ذهبي" جديد عنوانه الكفاءة والشفافية.

الهيكلة المؤسسية: شراكة بين التجارة والصناعة

إنَّ أبرز ملمح في هذه التعديلات هو الفصل الواضح والمدروس في الأدوار بين وزارتي التجارة والصناعة والثروة المعدنية، وهو ما يعكس التخصص المؤسسي الذي تنشده "رؤية 2030".

تتولى وزارة التجارة مسؤولية الإشراف على تجارة المعادن الثمينة ومنافذ البيع، لتصبح هي العين الساهرة على حماية المستهلك وضمان نزاهة التداول.

في المقابل، تُسند مهام الإشراف على صناعة المشغولات ومنح التراخيص الصناعية إلى وزارة الصناعة والثروة المعدنية.

هذا التوزيع يضمن أن كلتا الجهتين تعمل بكفاءة قصوى في مجال اختصاصها؛ فالصناعة تحتاج إلى دعم ورعاية تنموية، بينما يحتاج التداول إلى رقابة صارمة على الجودة والأسعار. هذا الفصل يجنّب تضارب الصلاحيات ويسرّع من اتخاذ القرار، مما يصب في مصلحة نمو القطاع.

حماية المستهلك: الثقة تُبنى على الوضوح

تأتي التعديلات محمّلة بحزمة من الإجراءات التي ترفع من سقف الثقة بين البائع والمستهلك. من أهم هذه الإجراءات الإلزام باستخدام علامات دمغ مسجلة ومميزة، والتي تعمل بمثابة شهادة جودة لا يمكن التلاعب بها، مما يحدّ بشكل كبير من انتشار المشغولات المقلدة أو غير المطابقة للمواصفات.

كما أن التشديد على الشفافية في التعاملات المالية أصبح إلزامياً، حيث يُفرض على المنشآت إصدار فواتير مفصلة عند الشراء من الأفراد تشمل بيانات شخصية موثقة، وهو إجراء حيوي لتعزيز الحوكمة ومكافحة غسل الأموال. وحتى التفاصيل المتعلقة بالعرض لم تعد اختيارية، إذ يجب تخصيص مواقع واضحة للمشغولات المستعملة أو المزينة بأحجار صناعية، ليكون المستهلك على بيّنة تامة من طبيعة المنتج قبل اتخاذ قرار الشراء.

الترخيص الإلزامي: بوابة العبور للصناعة المُنظَّمة

على الصعيد الإنتاجي، يمثل شرط الحصول على ترخيص صناعي إلزامي من وزارة الصناعة قبل ممارسة نشاط التصنيع نقلة نوعية. هذا الشرط يخدم هدفين رئيسيين: الأول هو رفع مستوى الجودة عبر إخضاع جميع الورش والمصانع لمعايير فنية موحدة وضوابط إنتاج صارمة.

أما الثاني فهو دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية، حيث يتم تشجيع الورش الصغيرة على تصحيح أوضاعها والاستفادة من الدعم والحوافز المقدمة للمنشآت الصناعية الملتزمة.

هذا التنظيم هو المفتاح لتمكين المصممين والحرفيين السعوديين من تطوير قدراتهم، وتوطين صناعة المجوهرات، وخلق فرص عمل نوعية، مما يضمن أن الذهب السعودي لا يقتصر على كونه مادة خام أو مشغولات مستوردة، بل قيمة مضافة صُنعت بمهارة محلية.

المستقبل يلمع بالجودة والكفاءة

إن جوهر تعديلات نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة هو تحويل قطاع حيوي ومهم من سوق تقليدية إلى صناعة منظمة وشفافة وذات جودة عالية، تماشياً مع الطموح الاقتصادي للمملكة.

الهدف ليس وضع العراقيل أمام التجار، بل توفير بيئة عادلة وموثوقة يثق فيها المستهلك والمستثمر على حد سواء.

وعندما يتم ترسيخ هذه القواعد، فإن بريق الذهب الجديد في السوق السعودي لن يكون مجرد قيمة نقدية، بل سيكون مرآة تعكس النضج المؤسسي والالتزام بمعايير الحوكمة والجودة العالمية.