إعادة التأمين السعودية.. بوابات مفتوحة للمستثمر العالمي بضمانة سيادية
تشهد المملكة العربية السعودية تحولاً اقتصادياً غير مسبوق، وبرز قطاع إعادة التأمين كأحد أبرز مجالات هذا التحول. لقد انتقلت السوق السعودية من مجرد استهلاك للخدمات التأمينية العالمية إلى دور اللاعب الإقليمي والدولي الفاعل، مدعومة بمنظومة تنظيمية حديثة واستثمار سيادي يجعلها الآن محوراً جاذباً لعمالقة التأمين وإعادة التأمين من الخارج. وتعمل هيئة التأمين بجدية على مواءمة التشريعات المحلية مع المعايير الدولية، وهو ما عزز ثقة أربع شركات أجنبية كبرى تدرس حالياً دخول السوق، حسبما أكد رئيس الهيئة ناجي التميمي. وبطبيعة الحال، يواجه اللاعبون الدوليون متطلبات السوق الطبيعية، كالمنافسة، والتكيف مع متطلبات رأس المال المرتفع، وضرورة مواءمة منتجاتهم مع الأنظمة المحلية. كما أن الخطة الطموحة لتطبيق نظام رأس المال المرتبط بالمخاطر (Capital Regime) في 2027، سترفع مستوى كفاءة السوق وتتطلب جاهزية رقمية وتنظيمية عالية من جميع الأطراف.
وقد حسم صندوق الاستثمارات العامة السعودي حضوره كلاعب استراتيجي في هذا القطاع، عبر استحواذه على 23.08% من "إعادة" باستثمار قيمته 427.7 مليون ريال. يجسد هذا التحرك التزام المملكة العميق بتمكين القطاع مالياً وتشغيلياً، والأهم، "توطين الأقساط" التي كانت تتدفق سابقاً إلى الأسواق الأجنبية. وفي الوقت ذاته، يؤكد هذا الاستثمار السيادي الضخم على أهمية الدور التنظيمي في الحفاظ على توازن المنافسة، لضمان بيئة جاذبة للشركات المحلية والخاصة والأجنبية على حد سواء، بما يعزز التنوع السوقي. ومما يدعم هذا المشهد التنافسي، تأسيس "الرياض لإعادة التأمين" مؤخراً برأس مال 550 مليون ريال، مع خطة لرفعه إلى 800 مليون ريال خلال أربع سنوات، مما يضيف عمقاً حيوياً للسوق ويعزز قدرة الشركات الوطنية على المنافسة عالمياً.
إن جاذبية السوق لا تأتي من التنظيم والدعم السيادي فحسب، بل من الأرقام الفعلية للنمو. فقد شهد سوق التأمين السعودي نمواً بنسبة 17% عام 2024، وارتفع معدل اختراق المنتجات إلى 2.6%. الأقساط الإجمالية للتأمين تجاوزت 53 مليار ريال، يُقدّر أن حصة إعادة التأمين منها تناهز 12 مليار ريال. ومع استهداف المملكة مضاعفة قيمة الأقساط الإجمالية بحلول 2030 ورفع نسبة الانتشار إلى 3.6%، فإننا نتحدث عن مضاعفة فرص الصناعة وخلق طلب هائل ومستدام على خدمات إعادة التأمين. ولم يمر هذا النمو دون ملاحظة؛ فإعلان شركة WTW العالمية عن خطتها لمضاعفة إيراداتها من السوق السعودية بحلول 2030، وحصولها على نموذج ترخيص مزدوج، هو بمثابة "تصويت بالثقة" من السوق الدولي على جدوى الاستثمار في القطاع.
على ضوء كل هذه الحوافز، ومع مراعاة عوامل المنافسة الدولية وتقلبات الأسواق، يبرز الدور المحوري للجهات التنظيمية السعودية. فهذه الجهات معنية بتعزيز تنوع السوق ودعم المنافسة العادلة، لضمان مواكبة هذا الدعم السيادي القوي لبيئة استثمارية منفتحة ومستدامة، خصوصاً مع التوقعات بوصول حجم القطاع إلى 20 مليار ريال وتضاعف القوة العاملة فيه إلى 39 ألفاً بحلول 2030. إن قطاع إعادة التأمين السعودي اليوم يشبه مصنعاً حديثاً مدعوماً بسيولة سيادية، ونجاحه المستدام يتطلب مرونة في السياسات وانفتاحاً تنظيمياً يواكب أي متغيرات مستقبلية.
بهذا الطرح، تستمر المملكة في فتح بواباتها للمستثمر الدولي بعين واثقة نحو المستقبل. فبينما يعزز التنظيم الحديث والتمويل السيادي قوة القطاع، يبقى التنوع والمنافسة الشفافة هما الإطار الضامن لجذب استثمار دولي حقيقي ومستدام
