بوابة بالعربي الإخبارية

قراءة ثانية لزيارة واشنطن.. ولي العهد السعودي يضخ التريليون دولار في شرايين التقنية العالمية

الخميس 20 نوفمبر 2025 02:19 مـ 29 جمادى أول 1447 هـ
رائد الاستثمار سامر شقير
رائد الاستثمار سامر شقير

بعد أن تناولنا في مقالنا السابق الأبعاد الاستراتيجية العميقة لزيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إلى الولايات المتحدة، التي أثمرت عن اتفاقيات محورية في الدفاع الاستراتيجي والطاقة النووية، ننتقل اليوم إلى المشهد الاقتصادي المذهل.

لقد أثبتت فعاليات الزيارة اللاحقة، خاصة منتدى الاستثمار الأمريكي السعودي، أن القيادة الحكيمة لم تكتفِ بتوقيع الاتفاقيات، بل مضت فوراً إلى مرحلة تحويل هذه الرؤى إلى واقع استثماري وتقني عالمي.

إن التوجه الذي يقوده سمو ولي العهد هو تحويل القدرة المالية للمملكة إلى قوة تفاوضية فعالة تضمن نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعات. هذا ما أكده سموه بدعوته الصريحة لاغتنام "الفرص الجاذبة" في السوق الأمريكية، مشدداً أن الاستثمار السعودي يتركز في "فرص حقيقية في الرقائق والذكاء الاصطناعي" وليس في فرص وهمية.
هذا الإصرار يرسخ مبدأ القيادة الواعية التي تبحث عن القيمة المضافة والمصلحة الوطنية العليا في "السوق الأمريكية الأكثر حيوية حول العالم". وقد تجلت ثمار هذا التوجه في الإعلان عن رفع سقف الالتزامات الاستثمارية السعودية في الاقتصاد الأمريكي إلى تريليون دولار، وهو ما يمثل ثقلاً اقتصادياً غير مسبوق يؤكده ارتفاع حيازة السعودية للسندات الأمريكية.

الذكاء الاصطناعي: محرك النمو ومركز البيانات العملاق

كان الذكاء الاصطناعي (AI) بلا شك حجر الزاوية للمستقبل المُنَوَّع، وهو ما أكدته مذكرة التفاهم للشراكة في هذا المجال.
وقد تُرجمت هذه الشراكة إلى إعلانات ضخمة تعكس مكانة المملكة المرتفعة؛ حيث أعلن إيلون ماسك عن إنشاء مركز بيانات عملاق بالتعاون بين xAI، وإنفيديا، و"هيوماين" في السعودية.
هذا المشروع الاستثنائي، الذي سيبدأ بطاقة 500 ميغاواط ومرشح للوصول إلى 2 غيغاواط، يؤكد أن المملكة أصبحت الموقع الأمثل لبناء هذه المراكز العملاقة.
وقد أكد ستيفن شوارزمان، الرئيس التنفيذي لـ "بلاكستون"، أن كون المملكة "أرخص مورد للطاقة" يمنحها ميزة تنافسية لا تُضاهى لمستثمري التكنولوجيا لبناء منصات الذكاء الاصطناعي بفعالية عالية، مما يضع المملكة في طليعة سباق الحوسبة الفائقة عالمياً.

تحويل الشراكة إلى استراتيجية تجارية خاصة

على الجانب الآخر، تدرك واشنطن حجم هذا التحول. فقد كشف وزير التجارة الأمريكي، هوارد لوتنيك، أن الولايات المتحدة تعمل على وضع استراتيجية خاصة للاستثمار والتبادل التجاري مع المملكة، مؤكداً أن الشراكة يجب أن "تمضي بلا أي معوقات" من خلال تقليل العوائق البيروقراطية.
هذا الاعتراف الرسمي من الجانب الأمريكي يؤكد أن المملكة، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، أصبحت شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه، خاصة في مجال تأمين سلاسل الإمداد العالمية والحصول على "المعادن الحرجة"، وهو ما يتناغم مع خطط شركة "معادن" لإنشاء مرفق لتكرير وفصل العناصر الأرضية النادرة.

صفقات الطاقة والدفاع.. تعميق استراتيجي للقدرات الوطنية

تكاملت هذه التطورات التقنية مع تعميق العلاقات في القطاعات التقليدية والاستراتيجية، حيث أعلنت "أرامكو" عن توقيع اتفاقيات مع الجانب الأمريكي بقيمة 30 مليار دولار في قطاع الطاقة. وعلى صعيد الأمن، عززت اتفاقية الدفاع الاستراتيجي (SDA) صفقة مقاتلات "إف-35" والدبابات. تؤكد هذه الصفقات، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات التعاون النووي المدني، أن القيادة تهدف إلى بناء قوة وطنية شاملة، تضمن الاستقرار الأمني عبر تعميق القدرات العسكرية، وتضمن الاستدامة الطاقية عبر التنويع السلمي.

في الختام، إن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، التي تُوجت بتجمع حاشد لأكثر من 400 رئيس تنفيذي أمريكي وسعودي، هي دليل قاطع على أن المملكة في عهد "رؤية 2030" قد انتقلت من مرحلة الأهداف إلى مرحلة النتائج الملموسة. إنها زيارة لقائد يحوّل الالتزامات الاستثمارية إلى مراكز عالمية للذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن السعودية تسير بخطى واثقة لتصبح قوة اقتصادية وتقنية فاعلة، تنطلق من المصلحة الوطنية العليا نحو مستقبل زاهر.