بوابة بالعربي الإخبارية

كنوز الأرض السعودية.. التعدين رهان ”الرؤية” الرابح

الإثنين 1 ديسمبر 2025 01:30 مـ 10 جمادى آخر 1447 هـ
سامر شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض
سامر شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض

لطالما كان الحديث عن الثروات المعدنية في المملكة العربية السعودية يدور في فلك التقديرات الجيولوجية والتوقعات المستقبلية، ولكن صدور تقرير "إحصاءات الثروة المعدنية 2024" عن الهيئة العامة للإحصاء، كأول إصدار متخصص من نوعه، ينقلنا من مرحلة التوقعات إلى مرحلة "اليقين الرقمي".

هذا التقرير لا يمثل مجرد سرد لبيانات صماء، بل هو وثيقة استثمارية عالية الجودة تضع النقاط على الحروف أمام المجتمع الاستثماري المحلي والدولي.

بصفتنا مستثمرين ومتابعين للحراك الاقتصادي في الرياض، نرى في إعلان الهيئة عن اكتشاف أكثر من 5600 موقع تمعدن رسالة واضحة: المملكة لا تجلس فقط على بحيرات من النفط، بل تقف على جبال من المعادن.

التوازن المدهش بين المعادن اللافلزية (54%) والفلزية (43%) يعطي الاقتصاد السعودي مرونة هائلة، ويفتح الباب واسعاً أمام صناعات تحويلية لا حصر لها، بدءاً من مواد البناء ووصولاً إلى التقنيات المتقدمة.

إن النمو التراكمي في عدد الرخص التعدينية بنسبة 21% منذ عام 2016، ليصل إلى 2401 رخصة في 2024، هو الدليل الدامغ على نجاح الإصلاحات التشريعية التي قادتها وزارة الصناعة والثروة المعدنية.

عندما نرى 642 رخصة كشف، فهذا يعني أن هناك مئات الشركات التي تضخ الأموال حالياً للبحث والتنقيب، وهو مؤشر صحي جداً على جاذبية القطاع.

لكن ما يستوقفني حقاً كرائد استثمار، هو قراءة الميزان التجاري لهذه المعادن، حيث تكمن الفرص الحقيقية. الأرقام تخبرنا قصتين مختلفتين؛ الأولى قصة نجاح باهر في قطاعي الألومنيوم والفوسفات، حيث تحولت المملكة إلى مُصدر عالمي، وتراجع واردات الأسمدة الفوسفاتية بنسبة تجاوزت 50% هو إنجاز استراتيجي يحقق الأمن الغذائي ويعظم القيمة المضافة محلياً.

أما القصة الثانية، فهي "فرصة المليار دولار". الاعتماد الكلي على استيراد النيكل (100%) والزنك (99.9%) ليس مؤشراً سلبياً بقدر ما هو خارطة طريق للمستثمرين.

هذه الفجوة في السوق هي دعوة صريحة للقطاع الخاص للتوجه نحو استكشاف هذه المعادن أو إنشاء صناعات تحويلية تعتمد عليها، خاصة مع التوجه العالمي نحو السيارات الكهربائية والبطاريات التي يعد النيكل والزنك عمودها الفقري.

إن هذا التقرير الإحصائي الدقيق يرسخ مبدأ الشفافية الذي وعدت به "رؤية المملكة 2030"، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن التعدين يسير بخطى ثابتة ليكون الركيزة الثالثة للصناعة السعودية. اليوم، الأرض تبوح بأسرارها، والأرقام تؤكد أن الرهان على قطاع التعدين لم يكن يوماً مغامرة، بل هو استثمار في مستقبل مستدام ومتنوع.