بوابة بالعربي الإخبارية

الصناعة السعودية.. رحلة العبور من ”الوفرة” إلى ”الذكاء”

الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 09:18 صـ 11 جمادى آخر 1447 هـ
سامر شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض
سامر شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض

لم يعد الحديث عن الصناعة في المملكة العربية السعودية مقتصراً على لغة الأرقام المجردة أو عدد التراخيص الممنوحة، بل انتقل المشهد اليوم إلى مستوى أكثر عمقاً وتعقيداً؛ إنه حديث عن "الكيف" قبل "الكم"، وعن "الذكاء" الذي يقود خطوط الإنتاج.

عندما يُعلن معالي وزير الصناعة، بندر الخريف، عن استهداف تحويل 4000 مصنع إلى منشآت ذكية تعتمد على الأتمتة وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، فنحن أمام إعادة هندسة كاملة للهوية الصناعية السعودية.

هذا الرقم ليس مجرد هدف طموح، بل هو التزام بتحويل 33% من إجمالي المصانع القائمة (البالغة 12 ألف مصنع) إلى أيقونات تقنية تنافس نظيراتها في ألمانيا واليابان.

بصفتنا مستثمرين نراقب هذا الحراك، ندرك أن القيمة الحقيقية لا تكمن فقط في ضخ 1.2 تريليون ريال كاستثمارات صناعية، بل في كيفية إدارة هذه الأموال.

إن إنشاء مركز متخصص للتصنيع والإنتاج المتقدم ليكون "العقل المدبر" لبرامج التحول، واستخدام مؤشرات عالمية دقيقة مثل "SIRI" لتقييم المصانع، يمنح المستثمر الأجنبي والمحلي شعوراً بالثقة بأن المعايير هنا عالمية، وأن البيئة التشريعية تسبق الزمن.

الأرقام التي كُشف عنها مؤخراً مذهلة بكل المقاييس؛ فوصول الصادرات غير النفطية إلى 515 مليار ريال في 2024 بنمو 113% منذ إطلاق الرؤية، هو الدليل القاطع على أن المنتج السعودي بات يمتلك الجودة والتنافسية التي تؤهله لغزو الأسواق العالمية. هذا النمو ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج قاعدة صناعية قفزت من 7200 مصنع في 2016 إلى 12 ألفاً اليوم، وتسير بثبات نحو هدف 36 ألف مصنع بحلول 2035.

إن برنامج "مصانع المستقبل" والسعي لضم 14 مصنعاً سعودياً إلى شبكة "المنارات الصناعية" العالمية، يوجه رسالة واضحة للقطاع الخاص: "الرقمنة ليست ترفاً، بل هي تذكرة العبور للمستقبل".

الحكومة اليوم لا تطلب من المصانع التطور فحسب، بل تقدم لها الأدوات، والتقييم، والدعم المباشر لتحقيق ذلك.

في المحصلة، المملكة لا تبني مصانع فقط، بل تبني منظومة اقتصادية ذكية ومستدامة. ومع وجود فرص استثمارية بقيمة تريليون ريال ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة، فإن الرسالة للمستثمرين واضحة: الفرصة الآن ليست في بناء مصنع تقليدي، بل في الاستثمار في تكنولوجيا التصنيع، لأن السعودية قررت أن تكون "مصنع الشرق الأوسط الذكي"، والقطار قد انطلق بالفعل.