ميزانية 2026.. بصمة ولي العهد في صناعة اقتصاد المستقبل
عند قراءة تفاصيل الميزانية العامة للمملكة لعام 2026، والتي أقرها مجلس الوزراء بإنفاق يقارب 1.3 تريليون ريال، لا يمكن للمراقب الاقتصادي أن يمر مرور الكرام على الأرقام الصماء، بل يجد نفسه أمام "هندسة مالية" دقيقة يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حولت الميزانية من مجرد بيان محاسبي للإيرادات والمصروفات إلى "وثيقة ثقة" عالمية تؤكد متانة الاقتصاد السعودي.
لغة الأسواق اليوم تقرأ في ثنايا هذه الميزانية رسالة واضحة؛ وهي أن "الرؤية" انتقلت من مرحلة التخطيط إلى مرحلة "جني الثمار" و"تعظيم الأثر". ويتجلى هذا بوضوح ساطع في الإنجاز التاريخي الذي أشار إليه سمو ولي العهد، والمتمثل في تجاوز مساهمة القطاع الخاص حاجز الـ 50.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
هذا التحول الجذري في هوية الاقتصاد، من الاعتماد الكلي على الإنفاق الحكومي النفطي إلى اقتصاد يقوده القطاع الخاص، هو الترجمة الحقيقية لنجاح الإصلاحات الهيكلية التي أشرف عليها سموه شخصياً.
وفي قراءة تحليلية للعجز المتوقع (165.4 مليار ريال)، نجد أنه يعكس "جرأة تنموية" محمودة؛ فالحكومة تختار بوعي تام استمرار الإنفاق الاستراتيجي على المشاريع الكبرى والبنية التحتية، مفضلةً النمو المستدام على التوازن المالي الآني والانكماشي. هذا التوجه يبعث برسائل طمأنة لمجتمع الأعمال المحلي والدولي بأن عجلة المشاريع لن تتوقف، وأن الدولة مستمرة في دورها كمحفز رئيسي للاستثمار.
ولعل البصمة القيادية للأمير محمد بن سلمان تظهر بأبهى صورها في ملف "التوطين"، وتحديداً في الصناعات العسكرية التي قفز محتواها المحلي إلى 40%. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل هو تأسيس لسيادة صناعية، وخلق لسلاسل إمداد جديدة تفتح آفاقاً واسعة للشراكات الاستراتيجية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، تبرهن المخصصات الضخمة للتعليم (202 مليار) والصحة (259 مليار) أن مقولة "المواطن أولاً" هي عقيدة راسخة في فكر صانع القرار السعودي، حيث يتم توجيه الفوائض والإيرادات لبناء "رأس المال البشري" القادر على قيادة المستقبل، وهو ما انعكس إيجاباً على انخفاض معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية.
الخلاصة، أن ميزانية 2026 تأتي لتؤكد أن الاقتصاد السعودي بات يمتلك مناعة عالية ضد التقلبات العالمية، وأن القيادة السعودية نجحت في تقليل "حالة عدم اليقين" التي تعاني منها كبرى اقتصاديات العالم، مقدمةً نموذجاً يحتذى به في التوازن بين الطموح والواقعية، وبين البناء للمستقبل وتلبية احتياجات الحاضر.
