بوابة بالعربي الإخبارية

الذكاء الاصطناعي.. محرك السعودية الجديد لقيادة الاقتصاد العالمي

الإثنين 8 ديسمبر 2025 12:34 مـ 17 جمادى آخر 1447 هـ
سامر. شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض
سامر. شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض

حين يتحدث معالي الوزير وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، عبد الله السواحه، عن فرص استثمارية بقيمة 100 مليار ريال في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الخمس المقبلة، فإننا لا نقرأ هنا مجرد رقم مالي ضخم ضمن ميزانية الدولة، بل نقرأ إعلاناً صريحاً عن "تغيير قواعد اللعبة" في الاقتصاد السعودي.

هذا الرقم هو المؤشر الأدق حتى الآن على أن المملكة بدأت فعلياً مرحلة الانتقال من اقتصاد يعتمد على تدفق الموارد الهيدروكربونية، إلى اقتصاد تقوده الخوارزميات وتدفق البيانات.

التصريحات الأخيرة التي خرجت من "ملتقى الميزانية 2026" تضعنا أمام مشهد جديد كلياً؛ فالسعودية التي قادت أسواق الطاقة العالمية لعقود عبر عملاقها "أرامكو"، تُجهّز المسرح اليوم لعمالقة جدد في الفضاء الرقمي.

ولعل الإشارة الأكثر ذكاءً وعمقاً جاءت من وزير الاقتصاد والتخطيط، فيصل الإبراهيم، حين قارن الدور المنتظر لشركة "هيوماين" بمكانة "أرامكو". هذه المقاربة ليست مجازية، بل هي "خارطة طريق" تؤكد أن الذكاء الاصطناعي هو "الوقود البديل" الذي سيمول النمو المستقبلي ويحفظ مكانة المملكة الجيوسياسية والاقتصادية.

إن القفزة التي حققها الاقتصاد الرقمي بنسبة نمو بلغت 66% ليصل إلى 495 مليار ريال، وارتفاع عدد الشركات المليارية (Unicorns) إلى 8 شركات، هي أدلة دامغة على نضوج "المنظومة".

لم تعد المسألة مجرد مبادرات، بل تحولت إلى دورة اقتصادية متكاملة تجذب رؤوس الأموال الجريئة، وتخلق كيانات قادرة على المنافسة عالمياً، مستندةً إلى بنية تحتية رقمية تضاهي، بل وتتفوق، على نظيراتها في دول صناعية كبرى.

ما يميز الاستراتيجية السعودية الحالية هو "الشمولية في التمكين". فالمليارات المرصودة لا تستهدف استيراد التقنية فحسب، بل تستهدف توطين "العصب الحيوي" للاقتصاد الجديد.

عندما نرى توزيع الفرص بين البنية الرقمية (30 مليار ريال) والابتكار والتقنيات المتقدمة (51 مليار ريال)، ندرك أن الرياض تبني "الأرضية الصلبة" التي ستقوم عليها مدن المستقبل، لتكون مركزاً لتصدير الحلول الذكية لا مستهلكاً لها.

إن الرهان اليوم لم يعد على حجم الاحتياطيات الجيولوجية، بل على قدرة "السيادة السبرانية" والبيانات على تعظيم العائد الاقتصادي في كافة القطاعات. هذا التحول هو المحرك الأكبر للنمو غير النفطي، وهو الضمانة الحقيقية لاستدامة الرفاه الاقتصادي.

ختاماً، ما يحدث اليوم في الرياض هو إعادة صياغة لمفهوم "الأصول الوطنية". فإذا كان القرن العشرون قد بُني على ثروات باطن الأرض، فإن السعودية تراهن بكل ثقلها ليكون القرن الواحد والعشرون قائماً على ثروات "العقول الرقمية"، مرسخةً مكانتها كقوة عالمية في اقتصاد المعرفة، تماماً كما كانت ولا تزال في اقتصاد الطاقة.