بوابة بالعربي الإخبارية

السعودية والغيغاواط الرقمي.. كيف تبني الرياض “نفطها” البياناتي الجديد؟

الخميس 18 ديسمبر 2025 11:24 صـ 27 جمادى آخر 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

في خضم التنافس العالمي على امتلاك مفاتيح المستقبل، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد برمجيات ذكية أو نماذج لغوية تتحدث مع البشر، بل تحول إلى صناعة ثقيلة تحتاج إلى “مصانع” عملاقة.

هذه المصانع هي مراكز البيانات المتخصصة للذكاء الاصطناعي، ووقودها الطاقة الكهربائية والمعالجات الدقيقة، وهنا تبرز السعودية لاعباً محورياً مع صعود استثماراتها في البنية التحتية الرقمية والحوسبة الفائقة.

يمكن قراءة الشراكات الجديدة في قطاع مراكز البيانات السعودية، بما فيها التحالفات المرتبطة ببناء قدرات تصل إلى مستوى الغيغاواط، لا كأخبار تقنية عابرة، بل كتدشين لـ”بنية تحتية سيادية” تعادل في أهميتها اليوم خطوط أنابيب النفط ومصافي التكرير في القرن الماضي.

سعة بحجم 1 غيغاواط في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تعني قدرة حاسوبية هائلة تضع المملكة على خريطة كبار اللاعبين في اقتصاد الحوسبة عالمياً، وتمنح الرياض أفضلية تنافسية في استضافة تطبيقات الذكاء الاصطناعي الضخمة وخدمات السحابة المتقدمة.

من منظور اقتصادي كلي، تمثل هذه المشاريع نموذجاً متقدماً لـ”توطين القيمة المضافة” في اقتصاد البيانات.

بدلاً من أن تدفع الشركات السعودية المليارات لاستئجار سعات حوسبية في مراكز بيانات خارجية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، يجري اليوم بناء “الأوعية” التي تحتضن البيانات والحوسبة محلياً داخل المملكة.

هذا التحول لا يحافظ فقط على رؤوس الأموال داخل الدورة الاقتصادية الوطنية، بل يعزز الأمن السيبراني، ويرسخ مفهوم السيادة على البيانات، ويخلق وظائف نوعية في مجالات الطاقة، والهندسة، والأمن السيبراني، وتطوير البرمجيات.

كما يعكس هذا الحراك تحولاً في دور شركات الاتصالات والتقنية في السعودية، من مجرد ناقل للبيانات إلى مستثمر استراتيجي في أصول البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

الاستثمار في مراكز بيانات موجهة للذكاء الاصطناعي يعني بناء أصول طويلة الأجل تخدم الاقتصاد المعرفي، وتدعم نمو قطاعات الطاقة والإنشاءات والخدمات اللوجستية والشركات الناشئة التقنية، وتحوّل المملكة إلى وجهة جاذبة لعمالقة التكنولوجيا العالميين والـ Hyperscalers الباحثين عن بيئة مستقرة وآمنة لحوسبتهم في الشرق الأوسط.

اليوم لم يعد الرهان على من يملك النفط فقط، بل على من يملك القدرة على “تكرير البيانات” وتحويلها إلى ذكاء ومنتجات رقمية عالية القيمة. ما تقوم به السعودية في مجال مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي هو خطوة تأسيسية لبناء “نفط رقمي” جديد، تُصدَّر من خلاله القدرة الحاسوبية والخدمات السحابية والمعرفة، وتُرسَّخ به سيادة المملكة الرقمية ومكانتها كمركز ثقل عالمي في اقتصاد المستقبل.