بوابة بالعربي الإخبارية

خارطة طريق واشنطن نحو الرياض.. 6 قطاعات تقود مستقبل الشراكة الاستراتيجية

الأربعاء 24 ديسمبر 2025 10:40 صـ 4 رجب 1447 هـ
سامر شقير رائد استثمار، وعضو الشرف المنتخب بمجلس التنفيذيين اللبنانيين
سامر شقير رائد استثمار، وعضو الشرف المنتخب بمجلس التنفيذيين اللبنانيين

لا يمكن قراءة المشهد الاقتصادي العالمي اليوم بمعزل عن الحراك المتسارع الذي تشهده العاصمة الرياض؛ فبينما يعيد العالم تشكيل سلاسل الإمداد ومراكز الابتكار، تبرز المملكة العربية السعودية كوجهة استثمارية لا غنى عنها للشركات الأمريكية، ليس فقط كجهة مستوردة، بل كشريك استراتيجي في بناء اقتصاد المستقبل.

تصريحات "ديبورا لير"، الرئيسة التنفيذية المؤقتة لمركز "ميريديان" الدولي، لصحيفة "الاقتصادية"، لم تكن مجرد رصد لزيارة وفد تجاري، بل هي إعلان عن مرحلة جديدة من "الدبلوماسية الاقتصادية" التي تتجاوز الأطر التقليدية للنفط والغاز، لتستقر في قلب "رؤية المملكة 2030".

القطاعات الستة.. بوصلة الاستثمار الجديد

تتجه أنظار رواد الأعمال والشركات الكبرى في الولايات المتحدة نحو ستة قطاعات حيوية حددتها لير كركائز للنمو المستقبلي كالضيافة، السلع الفاخرة، السياحة، الثقافة، والتكنولوجيا المتقدمة، هذا التنوع ليس وليد الصدفة، بل هو انعكاس لنجاح الرؤية في خلق قطاعات كانت إلى وقت قريب "بكرًا" وغير مستغلة.

إن دخول شركات بوزن "إنتل" و"دلتا" في هذا الوفد يعكس قناعة عميقة بأن السوق السعودية لم تعد مجرد سوق استهلاكية، بل هي منصة للابتكار التقني واللوجستي، فالتوجه نحو الذكاء الاصطناعي، والألعاب الإلكترونية، والتصنيع المتقدم يضع الشركات الأمريكية في مواجهة فرص نمو طويلة الأجل تتسم بالاستقرار والاستدامة.

من "الصفقات" إلى "الشراكات التنموية"

النقطة الأكثر جوهرية في تقرير لير هي الإشارة إلى "الإمكانات غير المستغلة"، فإذا كان حجم التبادل التجاري بين واشنطن والرياض يبلغ نحو 40 مليار دولار، مقارنة بـ 110 مليارات دولار مع الصين، فإننا أمام فجوة تمثل في حقيقتها "فرصة هائلة" للنمو.

هذا التفاوت الرقمي يدفع المستثمر الأمريكي اليوم لإعادة تقييم وجوده في المنطقة، خاصة مع التسهيلات التنظيمية التي جعلت من تأسيس الشركات الأجنبية في المملكة عملية سلسة، وهو ما يخدم بشكل خاص الشركات الصغيرة والمتوسطة المبتكرة، التي كانت في السابق تخشى عقبات التوسع الدولي.

بيئة تنظيمية ومجتمع متطور

لم تغفل المستشارة الاقتصادية ديبورا لير البعد الاجتماعي؛ فالتحولات العميقة مثل زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وازدهار المشهد الفني ليست مجرد "تغييرات ثقافية"، بل هي محركات اقتصادية تخلق طلباً جديداً وتفتح آفاقاً لقطاعات السياحة والثقافة والترفيه.

إن رؤية 2030 نجحت في تحويل "المشاريع العملاقة" مثل العلا ونيوم من مجرد مخططات هندسية إلى واقع يجذب اهتمام كبريات المؤسسات العالمية، مما يؤكد أن المملكة لا تكتفي بتوسيع قطاعاتها القائمة، بل تبني منظومات اقتصادية جديدة كلياً.

الخلاصة.. الثقة كعملة للاستثمار

إن ما لمسته البعثة التجارية الأمريكية في الرياض هو "الثقة"، فالعلاقات الجيوسياسية المتينة، مدعومة بإصلاحات تشريعية واستقرار في بيئة الأعمال، جعلت من المملكة ملاذاً آمناً وجاذباً للاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل.

نحن اليوم أمام مشهد يتحدث فيه رأس المال لغة الابتكار؛ وحيثما وجد الابتكار وجد الاستقرار. ورؤية 2030 هي الجسر الذي تعبر عليه هذه الاستثمارات نحو مستقبل مشترك يخدم طموحات الشعبين السعودي والأمريكي على حد سواء.