عسكرة شرق المتوسط.. تعاون عسكري غير مسبوق بين إسرائيل واليونان وقبرص ضد تركيا
تشهد منطقة شرق البحر المتوسط واحدة من أخطر مراحلها، حيث لم يعد الصراع يدور فقط حول خرائط الغاز وحدود البحار، بل انتقل إلى مربع العسكرة والتحالفات العسكرية المفتوحة.
كنز الغاز في شرق المتوسط
المنطقة التي تحولت خلال سنوات قليلة إلى كنز طاقة عالمي، أصبحت اليوم ساحة شدّ وجذب بين القوى الإقليمية، مع تصاعد لغة القوة والاستعداد للمواجهة.
الإعلان عن تعاون عسكري غير مسبوق بين إسرائيل واليونان وقبرص لم يأتِ في فراغ، بل يحمل رسائل سياسية وأمنية واضحة، تتجاوز حدود التنسيق التقليدي، وتلامس مفاهيم الردع والاستعداد للتدخل السريع.
تحالف يُنظر إليه على أنه موجّه مباشرة ضد تركيا، في ظل اتهامات متبادلة ومحاولات لفرض وقائع جديدة على الأرض وفي البحر.
في المقابل، ترى أنقرة أن ما يجري هو محاولة لخنقها وإقصائها من معادلة شرق المتوسط، وهو ما يفتح الباب أمام تصعيد خطير قد لا تقتصر تداعياته على أطرافه المباشرين. فشرق المتوسط لم يعد مجرد ساحة تنافس إقليمي، بل أصبح عقدة استراتيجية تتشابك فيها مصالح أوروبا وأمن الطاقة العالمي.
الأخطر أن نيران هذا التصعيد قد تمتد إلى مصر، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من معادلة الأمن القومي في المتوسط، فهل تتحول المنطقة إلى بؤرة صدام مفتوح؟ أم أن حسابات المصالح ستفرض لحظة تراجع قبل الانفجار؟ الأيام المقبلة وحدها تحمل الإجابة.
اتفاق ثلاثي بين إسرائيل وقبرص واليونان ضد تركيا
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين 21 ديسمبر 2025، أن إسرائيل وافقت على تعزيز التعاون الأمني مع اليونان وقبرص.
وجاءت تعليقات نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس في القدس المحتلة.
وقبل المؤتمر الصحفي بين نتنياهو و ميتسوتاكيس وخريستودوليديس، كشفت مصادر مطلعة لصحيفة جيروزاليم بوست العبرية أن مسؤولين رفيعي المستوى من إسرائيل واليونان وقبرص يناقشون إمكانية إنشاء قوة تدخل سريع مؤلفة من وحدات من القوات المسلحة للدول الثلاث.
وأوضحت المصادر أن هذه المبادرة تأتي ضمن جهد أوسع لردع الأنشطة العسكرية والاستراتيجية التركية في شرق المتوسط.
ووفقًا للمصادر، فإن المبادرة الأمنية لا تزال في مراحل المراجعة والتخطيط الأولية.
وتهدف إلى تعزيز التعاون العسكري الاستراتيجي بين الدول الثلاث في ظل تصاعد التوترات الإقليمية ولن تكون هذه القوة وحدة دائمة، بل وحدة يمكن نشرها بسرعة في أوقات الأزمات برًا أو بحرًا أو جوًا.
وأفاد مصدر مطلع للصحيفة أن هناك مشاركة فعّالة من سلاح الجو الإسرائيلي، وإدارة العلاقات الخارجية في الجيش الإسرائيلي، والبحرية الإسرائيلية، بالتنسيق عبر قنوات مشتركة بين الأجهزة العسكرية والحكومة.
وذكر موقع "تانيا" الإخباري اليوناني أن المفهوم الذي ناقشوه يتضمن تشكيل وحدة قوامها حوالي 2500 فرد، بواقع 1000 جندي من كل من اليونان وإسرائيل، و500 جندي من قبرص.
يهدف إنشاء هذه القوة، بل وحتى مجرد مناقشة إنشائها، إلى توجيه رسالة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لماذا منطقة شرق المتوسط مهمة ؟
بعد الاكتشافات الكبيرة لثروات النفط والغاز في منطقة شرق المتوسط أصبحت محط أنظار العالم، في ظل الصراع الروسي الغربي، ومحاولات الدول الأوروبية البحث عن بدائل الغاز الروسي في إطار الحرب الاقتصادية وتفعيل العقوبات المفروضة ضد موسكو بسبب حرب أوكرانيا.
لذلك أصبح غاز شرق المتوسط مهم جدا لأوروبا، خلال مشاركته بمؤتمر منتدي غاز شرق المتوسط للتحول الطاقي بالعاصمة القبرصية نيقوسيا أكتوبر 2022 أكد وزير البترول المهندس طارق الملا، أن احتياطيات الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط يمكنها أن تساعد في الحفاظ علي أمن الطاقة بأوروبا.
ما هي أنشطة تركيا في شرق المتوسط ؟
تُعد أنشطة تركيا في منطقة شرق البحر المتوسط من أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية في السنوات الأخيرة، نظرًا لتداخل الطاقة، والسيادة البحرية، والتحالفات الإقليمية، والأبعاد العسكرية.
كثّفت تركيا عمليات التنقيب والاستكشاف عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط بزعم أن هذه الأنشطة تجري ضمن جرفها القاري أو في مناطق تعود لحقوق القبارصة الأتراك.
ترفض تركيا الاتفاقيات التي وقعتها قبرص اليونانية مع مصر واليونان وإسرائيل، وتعتبرها تتجاهل حقوقها وحقوق شمال قبرص.
وفي عام 2019 وقّعت تركيا مذكرة تفاهم لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية، بهدف كسر العزلة الجغرافية التي ترى أن أنقرة فُرضت عليها عبر تحالفات إقليمية، وأثارت المذكرة اعتراضات قوية من اليونان وقبرص ومصر والاتحاد الأوروبي.
ترى تركيا أن الجزر اليونانية القريبة من سواحلها لا يجب أن تولد مناطق اقتصادية خالصة كاملة، وهو ما ترفضه أثينا.
استُبعدت تركيا من منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم مصر، اليونان، قبرص، إسرائيل، إيطاليا، والأردن، ومقره في القاهرة، وتعتبره أنقرة تكتلًا سياسيًا يستهدف تحجيم دورها الإقليمي في ملف الطاقة.
ما هي خطورة هذه الاتفاقية على مصر ؟
تمتد خطورة هذه الاتفاقية إلى مصر، لأن المصالح المصرية تتماس مع المناطق الاقتصادية المختلفة لدول شرق المتوسط مع القاهرة، وتمنح هذه الاتفاقية فرصة لإسرائيل بالتمركز أو التواجد قرب المصالح المصرية، في وقت توترت فيه العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، بعد إجهاض مصر لمخطط التهجير من غزة والقضاء على القضية الفلسطينية.
ورغم إبرام مصر لاتفاق استيراد الغاز من إسرائيل، لكن هذا لا ينفي وجود خطوط حمراء من القاهرة على وجود قوات إسرائيلية قرب المصالح المصرية في أي دولة ما يخلق مزيدا من التوتر بين الجانبين.
