استثمار العقول قبل الحقول.. كيف تُعيد الرياض صياغة ”ثروة الـ 9 تريليونات”؟
في منطق الاستثمار الحديث، لم تعد الموارد الطبيعية هي الميزة التنافسية الوحيدة للدول، بل القدرة على ابتكار "تكنولوجيا استخراج" هذه الموارد واستدامتها.. واليوم، نرى الرياض وهي تتحول من مجرد مالك لاحتياطات ضخمة إلى "مختبر عالمي" يحدد ملامح مستقبل التعدين.
ما وراء "المعسكر الحضوري".. بناء منظومة ابتكار
تستعد العاصمة الرياض لاحتضان المعسكر الحضوري للنسخة الأولى من المنافسة العالمية للابتكار في المعادن "رواد مستقبل المعادن". هذا الحدث، الذي ينظمه برنامج "ندلب" بالشراكة مع وزارة الصناعة والثروة المعدنية، ليس مجرد مسابقة تقنية، بل هو "مسرعة أعمال" عملاقة تهدف لتحقيق مستهدفات رؤية 2030.
تحت رعاية معالي الأستاذ بندر بن إبراهيم الخريف وقيادة معالي المهندس خالد بن صالح المديفر، وبشراكة استراتيجية مع عملاق التعدين "معادن"، سينطلق المعسكر في الفترة من 8 إلى 10 يناير 2026. هذا التوقيت ليس عشوائياً، فهو يمثل "اللمسات الأخيرة" قبل الإعلان الكبير وتتويج الفائزين في النسخة الخامسة من مؤتمر التعدين الدولي في 14 يناير.
لغة الأرقام.. قفزة "فريزر" وتأثير الثقة
عندما نتحدث عن التعدين في السعودية، نحن نتحدث عن "تحول جيوسياسي واقتصادي" تدعمه الأرقام والنتائج الملموسة:
* الجاذبية الاستثمارية: القفز من المركز 104 إلى 23 عالمياً في مؤشر معهد فريزر الكندي لعام 2024 هو بمثابة "شهادة ثقة" دولية في البيئة التشريعية السعودية.
* السياسات والإمكانات: الصعود للمرتبة 20 في تصور السياسات و24 في الإمكانات الجيولوجية يقلص المخاطر التشغيلية أمام رؤوس الأموال الضخمة.
* ثروة غير مستغلة: نحن نتحدث عن قيمة تقديرية تبلغ 9.4 تريليونات ريال، مدعومة ببيانات دقيقة عبر مسح جيولوجي أنجز 65% من مستهدفاته في منطقة الدرع العربي.
تحليل استراتيجي: "البيانات هي النفط الجديد في قطاع التعدين. عندما توفر المملكة مسحاً دقيقاً لـ 630 ألف كيلومتر مربع، فهي لا تقدم معلومات فقط، بل تقدم 'أماناً استثمارياً' يقلل من تكلفة الاستكشاف ويزيد من جاذبية العائد على الاستثمار."
المسارات الثلاثة.. بوصلة المستقبل
تركز المنافسة على ثلاثة محاور تلامس صلب التحديات العالمية للقطاع:
1. التقنيات الذكية: لرقمنة المناجم ورفع كفاءة الإنتاج.
2. الأمن والسلامة: لضمان حماية رأس المال البشري والمنشآت.
3. استدامة الموارد: المحرك الأساسي لقبول الاستثمارات في عصر "الاقتصاد الأخضر".
هذه المسارات اجتذبت 1812 متقدماً من 57 دولة حول العالم، مما يعكس الزخم الدولي للمنافسة. ومن بين 371 فريقاً، نجح 70 فريقاً في التأهل للمرحلة النهائية، حيث تمثل المشاركات الدولية 32%، مما يثبت أن الرياض أصبحت قبلة للمبتكرين والباحثين عن حلول نوعية.
خلاصة القول: القيمة المضافة فوق سطح الأرض
المعسكر الحضوري، وبدعم من شركة "إسناد" التي أهّلت الفرق الوطنية، سيوفر بيئة عمل مكثفة (ورش عمل وجلسات إرشادية) تهدف لرفع "الجاهزية الاستثمارية" للحلول المطروحة قبل عرضها على لجان التحكيم.
وما سبق يعني ان الهدف النهائي واضح، السعودية لا تكتفي باستخراج المعادن، بل تبني منظومة ابتكار متكاملة تجعل من التعدين ركيزة استراتيجية مستدامة، تُعظم القيمة المضافة للاقتصاد الوطني وتدفع بالبلاد نحو صدارة المشهد الصناعي العالمي.
