بوابة بالعربي الإخبارية

سامر شقير يكتب عن ”Six Flags” القدية: هكذا تحول السعودية ”الترفيه” من استهلاك عابر إلى صناعة استراتيجية

الأربعاء 31 ديسمبر 2025 12:01 مـ 11 رجب 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

لم يعد مشروع "القدية" مجرد مخططات طموحة أو مجسمات هندسية نراها في المعارض، فمع إشراقة شمس الغد، يتحول الحلم إلى واقع ملموس بافتتاح "Six Flags القدية"، ليكون أول إنجاز فعلي يُدشن في هذه المدينة العملاقة. إن هذا الحدث يتجاوز كونه مجرد افتتاح لمتنزه ترفيهي؛ إنه إعلان رسمي عن دخول قطاع السياحة والترفيه في المملكة مرحلة التشغيل الفعلي للمشاريع المليارية، حيث تبلغ استثمارات "القدية" نحو 22 مليار دولار، مما يعكس الجدية التامة لصندوق الاستثمارات العامة في خلق روافد اقتصادية مستدامة بعيداً عن النفط، وترسيخ مفاهيم جديدة لجودة الحياة ضمن رؤية 2030.

القيمة الاستراتيجية لهذا الافتتاح لا تنبع فقط من كون المتنزه هو الأول للعلامة التجارية الشهيرة خارج أمريكا الشمالية، بل من الرهان على التميز النوعي؛ فنحن نتحدث عن وجهة تحتضن 28 لعبة، خمس منها تحطم أرقاماً قياسية عالمية لا نظير لها، مما يمنح الرياض ميزة تنافسية حصرية على خارطة السياحة الدولية. ولعل اللافت في تصريحات الإدارة هو الذكاء في نموذج التشغيل، إذ يعتمد نظام "التذكرة الموحدة" الشاملة، وهو نهج اقتصادي ونفسي مدروس يزيل الحواجز أمام الزوار، ويعزز من تجربة العميل، خصوصاً مع خطط التمديد الموسمي وساعات العمل المسائية التي تراعي الطبيعة الاجتماعية والمناخية للمنطقة.

وبنظرة أكثر شمولية، لا يمكن قراءة هذا الحدث بمعزل عن السياق الأكبر لمشروع القدية، الذي يمتد على مساحة تفوق ثلاثة أضعاف مدينة باريس. فمتنزه "Six Flags" ليس سوى حجر الزاوية في منظومة بيئية متكاملة تضم عاصمة للرياضات الإلكترونية، ومضماراً لـ"الفورمولا 1"، وملاعب غولف، واستاداً عالمياً، ومتاحف رياضية. هذا التكامل يخلق تكتلاً اقتصادياً يربط الترفيه بالرياضة والثقافة، محولاً المنطقة الجبلية الوعرة إلى مركز جذب عالمي ومحرك تنموي ضخم.

ختاماً، يبقى الأثر البشري هو المعيار الأصدق للنجاح؛ فالمشروع الذي يدار اليوم بسواعد آلاف الموظفين يفتح أبواباً واسعة لفرص العمل في تخصصات جديدة على السوق السعودي. ومع توالي افتتاح الفنادق والمرافق المائية والفعاليات المجدولة على مدار العام، نحن أمام دورة حياة اقتصادية جديدة تنبض في جبال طويق، تثبت أن الإرادة والإدارة قادرتان على تطويع الجغرافيا القاسية لصناعة البهجة والمستقبل.