محمود محيي الدين: مصر بحاجة إلى برنامج ما بعد ”النقد الدولي” يركز على النمو والصادرات وكبح التضخم

أكد الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، أن على مصر أن تبدأ من الآن الإعداد الجيد لما بعد انتهاء البرنامج الحالي مع صندوق النقد الدولي في عام 2026، وذلك عبر تصميم برنامج وطني شامل يركز على تحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي، تمويل التنمية، ضبط التضخم، والتوسع في التصدير، بما يحقق نقلة نوعية في الاقتصاد المصري.
جاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر السنوي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، والذي أقيم تحت رعاية رئيس الوزراء وبالتعاون مع كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تحت عنوان: "الإصلاحات الهيكلية والمؤسسات في مصر: الطريق إلى نمو مستدام".
ثلاث أزمات هيكلية تحتاج معالجة عاجلة
وفي تشخيصه لأبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، حدد محيي الدين ثلاث أزمات رئيسية تتطلب أولوية قصوى في المعالجة، وهي:
أزمة الإيرادات العامة:
أوضح أن الإيرادات في مصر لا تزال منخفضة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرًا إلى أن هذا الخلل يعكس الحاجة إلى تغيير نموذج النمو الاقتصادي بحيث يحقق دخولًا أعلى للمواطنين، وأرباحًا أكبر للشركات، وبالتالي توسيع القاعدة الضريبية التي تعتمد عليها الموازنة العامة.
أزمة التصدير:
أشار إلى أن نسبة الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي في مصر منخفضة للغاية مقارنة بدول نامية مثل كوريا وفيتنام، رغم أن وارداتهما أعلى كثيرًا من مصر، إلا أنهما تحققان فائضًا تجاريًا بفضل قوة صادراتهما، مؤكدًا أن الميزان التجاري لا يُقاس بحجم الواردات فقط، بل بقدرة الدولة على التصدير وتحقيق فائض.
أزمة الادخار القومي:
بيّن أن تراجع مستويات الادخار، سواء الحكومي أو الخاص أو العائلي، يحول دون تمويل الاستثمارات محليًا، ويدفع الاقتصاد إلى الاعتماد المفرط على الدين الخارجي، مما يؤدي إلى تفاقم الأعباء المالية وتزايد الهشاشة الاقتصادية.
ما بعد البرنامج.. ما العمل؟
وفي رؤيته للمرحلة المقبلة، شدد محيي الدين على أن السياسات الاقتصادية يجب أن تركز على:
استهداف التضخم بخطط واقعية ومنضبطة.
تحقيق نمو مستدام وشامل.
توسيع قاعدة التمويل للتنمية من خلال إصلاح مالي وهيكلي حقيقي.
الاستثمار في البشر عبر التعليم النوعي والتدريب والرعاية الصحية.
وقال: "منذ فترة، يتم التعامل مع البشر على أنهم عبء على الموارد، وهذا تصور خاطئ وخطير. البشر هم الثروة الحقيقية، وأصحاب الأفكار الخلاقة التي يجب تعظيم عائدها من خلال التعليم وتنمية المهارات."
النظام المالي العالمي في طور الانهيار
في سياق أوسع، أشار الدكتور محمود محيي الدين إلى أن النظام المالي العالمي القائم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية يوشك على الانتهاء، معتبرًا أن الإجراءات الأخيرة، وعلى رأسها الحروب التجارية العالمية، قد عجلت بتفككه.
ودعا في هذا الإطار إلى تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول لتقليل أثر الصدمات الخارجية، التي تتزايد مع تصاعد النزاعات الاقتصادية، مطالبًا الدول النامية بإعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية بما ينسجم مع المتغيرات العالمية الجديدة.
دعوة لتوطين التنمية وقياس الأداء بالمؤشرات
وأشاد محيي الدين بالدراسة الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار حول التنافسية والتنمية في المحافظات، معتبرًا أن توطين التنمية المستدامة على مستوى المحافظات يتطلب:
إصلاحات مؤسسية محلية.
استخدام مؤشرات دقيقة لقياس الأداء التنموي.
الاعتماد على قاعدة بيانات موثوقة لتحليل الوضع التنموي واتخاذ القرار الرشيد.
خمس ممكنات لنمو اقتصادي حقيقي
في ختام كلمته، حدّد محيي الدين خمسة عناصر رئيسية ("ممكنات") يجب التركيز عليها لتحقيق نمو اقتصادي مستدام:
تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على قطاعات محدودة.
التحول الرقمي وتوسيع قاعدة الاقتصاد الرقمي.
تسوية أرضية التنافس الاقتصادي لضمان عدالة المنافسة أمام جميع اللاعبين.
البيانات الدقيقة والتشريعات المنظمة، وعلى رأسها قانون تداول المعلومات.
الاستثمار في البشر باعتبارهم المورد الأهم.
وأكد أن هذه العناصر تشكل القاعدة الصلبة لأي رؤية تنموية وطنية تسعى إلى تحويل التحديات الراهنة إلى فرص حقيقية للنمو، موضحًا أن مصر تمتلك المقومات لكنها بحاجة إلى تفعيل أدوات الإصلاح بجرأة وانتظام.