شبه جزيرة إسكندنافيا .. مصنع الهدافين الجديد في كرة القدم العالمية

في وقت يتزايد فيه الحديث عن "انقراض" المهاجم التقليدي رقم 9، سلط الموقع الرياضي الأول المتخصص في احصائيات اللاعبين "أوبتا" الضوء على أن بلدان اسكندنافيا، وهم النرويج والسويد والدنمارك، يبدو أنهم سيقودون ثورة عكسية، بإنتاجهم المتواصل لمهاجمين من الطراز الرفيع أصبحوا يتصدرون المشهد في أقوى دوريات العالم .
ومع انطلاق موسم 2025-2026، سيقود ثلاثة مهاجمين اسكندنافيين خطوط الهجوم في ثلاثة من أفضل خمسة أندية في الدوري الإنجليزي الممتاز : إيرلينج هالاند يواصل تحطيم الأرقام مع مانشستر سيتي، ألكسندر إيزاك يلمع في نيوكاسل، بينما يقترب السويدي، فيكتور جيوكيريس، من الانضمام إلى أرسنال مقابل صفقة قد تصل إلى 65 مليون جنيه إسترليني .
هذه الصفقة لا تعزز فقط قوة هجوم أرسنال، بل تؤكد أيضًا على المكانة المتنامية لبلدان الشمال الأوروبي كمركز لإنتاج الهدافين المميزين، في وقت تتراجع فيه أهمية المهاجم الكلاسيكي في العديد من الدول الكبرى .
رغم سيطرة المهاجمين القادمين من الأطراف في العقدين الماضيين، يظهر أن لاعبي اسكندنافيا يعيدون الهيبة للمهاجم رقم 9، بطولهم الفارع، وقوتهم البدنية، وقدرتهم العالية على التمركز والتسجيل داخل منطقة الجزاء.
ففي موسم 2024-2025، تصدر المهاجم السويدي، ألكسندر إيزاك، قائمة الهدافين الاسكندنافيين في الدوري الإنجليزي بـ23 هدفًا، بينما سجل هالاند 22 هدفًا رغم غيابه لفترة بسبب الإصابة، أما يورجن ستراند لارسن أحرز 14 هدفًا في الدوري الإسباني فيما ترك ألكسندر سورلوث بصمته مع أتليتكو مدريد ب 20 هدفاً.
أما جيوكيريس، الذي لم يكن ضمن الدوريات الخمس الكبرى الموسم الماضي، فقد سجل 39 هدفًا في الدوري البرتغالي مع سبورتينج لشبونة، متفوقًا بفارق كبير على أقرب منافسيه، وحلّ ثانيًا في سباق الحذاء الذهبي الأوروبي خلف مبابي .
تفوق اسكندنافيا ليس صدفة، بل نتيجة منظومة متكاملة من التدريب، والبنية التحتية، والفكر الكروي فسبقت الدنمارك جيرانها في تطوير الأكاديميات الاحترافية. السويد والنرويج كثفتا إنشاء الملاعب الصناعية التي تتيح ممارسة الكرة طوال العام رغم الظروف المناخية القاسية .
وتعتمد الفلسفة التدريبية على تطوير اللاعب بشكل حرّ، بعيدًا عن الأساليب الصارمة، مما يعزز الإبداع والمهارات الفردية. فالمدربون يرون أن الأرضيات الصناعية ساهمت في صقل المهارات الفنية بشكل غير مسبوق، حيث تقدم سطحًا منتظمًا يشجع على التمرير السريع والتحكم الدقيق بالكرة.
عوامل أخرى ساعدت، مثل البنية الجسمانية. فالشعوب الاسكندنافية من بين الأطول عالميًا، ما يمنح المهاجمين ميزة إضافية في ألعاب الهواء والالتحامات، خصوصًا حين تقترن بالمهارة وسرعة الحركة، كما أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الجيدة، بما في ذلك التعليم المجاني والرعاية الصحية والبنية التحتية الرياضية، لعبت دورًا أيضًا في تنمية هذه المواهب .
رغم هذا النجاح الهجومي، بدأ بعض المسؤولين والمدربين في المنطقة بالتنبيه إلى تراجع إنتاج المدافعين. فقد أشار رئيس تطوير اللاعبين في الاتحاد النرويجي إلى أن معظم الناشئين يتدربون كما لو أنهم لاعبو وسط، دون تركيز كافٍ على ما يحدث داخل منطقة الجزاء دفاعيًا .
ووفقًا للمدربين، فإن فرص المهاجمين في اللعب والتألق مبكرًا أكبر بكثير من المدافعين، ما يعزز اهتمام الأندية بتطويرهم وتسويقهم سريعًا.
ورغم كل هذه النجاحات، يلوح في الأفق تهديد حقيقي: حظر الاتحاد الأوروبي المتوقع في 2031 للمواد المطاطية المستخدمة في الملاعب الصناعية، بسبب مخاوف بيئية وصحية. وحدها النرويج تحتاج إلى 560 مليون يورو لتجديد ملاعبها، ما قد يؤثر على الاستثمارات في تطوير اللاعبين.
لكن إذا حافظت الأكاديميات على زخمها، واستمرت الموهبة الاسكندنافية في التوهج، فلن يظل لقب "مصنع المهاجمين" مجرد مصادفة، بل سيكون نموذجًا يُحتذى به عالميًا.