استراتيجيات فائقي الثراء: كيف يحولون الأزمات إلى فرص؟

فائقي الثراء لا ينظرون إلى الأسواق بعين المستثمر العادي الذي يطارد الربح السريع، بل يتعاملون معها بفلسفة أعمق تقوم على حماية الثروة وتنميتها عبر الأجيال.
بالنسبة لهم، الأسواق أشبه بلعبة شطرنج طويلة المدى، تحتاج إلى قراءة واعية للحظة، ومعرفة متى يتحصنون ومتى يهاجمون.. عندما ترتفع الأسواق وتكثر الطروحات الجديدة وتتصاعد التقييمات إلى مستويات مبالغ فيها، يدركون أن القمة باتت قريبة.
في تلك المرحلة، يتركون الاندفاع وراء الأرباح السريعة ويتجهون إلى بناء مراكز دفاعية، فيزيدون من حيازاتهم في الأصول الآمنة مثل سندات الخزانة الأمريكية والصكوك السيادية السعودية، ويعتمدون على سندات الشركات العملاقة مثل آبل وأرامكو، مع الاهتمام بالأسهم الدفاعية لشركات مثل جونسون آند جونسون والاتصالات السعودية.. ولا يغفلون عن الذهب والعقارات المستقرة التي تمنحهم ملاذًا آمنًا وتحافظ على قيمة ثرواتهم.
الهدف هنا ليس المكسب الكبير، بل الحماية وتجهيز السيولة لليوم الذي تبدأ فيه الأسواق بالهبوط.
لكن ما إن تصل الأسواق إلى القاع، حتى يتغير المشهد كليًا. حين يسود الذعر في الإعلام وينسحب المستثمرون الأفراد وتختفي الطروحات الجديدة، يتحول فائقي الثراء من الدفاع إلى الهجوم.
يضخون أموالهم في الأسهم القيادية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد مثل آبل ومايكروسوفت في أمريكا وأرامكو وسابك في السعودية وHSBC في بريطانيا، كما يستثمرون في الشركات الصغيرة والمتوسطة التي غالبًا ما تشهد تعافيًا قويًا بعد الأزمات، ولا يترددون في دخول عالم الشركات الناشئة عبر صناديق رأس المال المغامر والخاص.
في هذه المرحلة، يحتفظون بالقليل من السيولة فقط لضمان المرونة، بينما يتحول الجزء الأكبر إلى أصول مرشحة للارتفاع.
في العالم العربي، تظهر هذه الاستراتيجية بوضوح لدى العائلات الثرية والمكاتب العائلية في الخليج، حيث تمثل الصكوك السيادية والعقارات التجارية أدوات للتحوط في أوقات الصعود، بينما تتحول التراجعات إلى فرص ذهبية للاستثمار في النفط والبتروكيماويات والتقنيات الناشئة. هذه المرونة جعلت المنطقة لاعبًا مؤثرًا في خريطة رأس المال العالمي طويل الأمد.