الأحد 14 ديسمبر 2025 09:02 مـ 23 جمادى آخر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

​اقتصاد سعودي بأكثر من محرّك: قراءة في مرحلة النمو الجديدة

الأحد 14 ديسمبر 2025 10:31 صـ 23 جمادى آخر 1447 هـ
سامر شقير- رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض
سامر شقير- رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض

​لطالما كانت الأسئلة الكبرى التي تحيط بالاقتصادات النفطية تدور حول قدرتها على "فك الارتباط" بين نمو الناتج المحلي الإجمالي وتقلبات أسواق الطاقة. لكن الأرقام التي حملها استطلاع "بلومبرغ" الأخير، وتقاطعت مع تقديرات وزارة المالية السعودية، تخبرنا بقصة مختلفة ومغايرة لما كان سائداً: الاقتصاد السعودي اليوم لا يسير بمحرك واحد، بل بمحركين يعملان بتناغم عالٍ.

​النتائج التي أظهرها الاستطلاع الذي شمل 21 خبيرًا اقتصاديًا، والتي رفعت توقعات نمو الناتج المحلي للمملكة إلى 4.5% للعامين الحالي والمقبل، ليست مجرد تعديل إحصائي طفيف عن التوقعات السابقة (4.1%)؛ بل هي شهادة ثقة من بيوت الخبرة العالمية بجدوى السياسات المالية والنقدية التي تنتهجها الرياض.


​محركات النمو: بين تعافي النفط وازدهار القطاع غير النفطي

​ما يلفت الانتباه في قراءة المشهد الحالي هو "التزامن الإيجابي"؛ ففي الوقت الذي يستعيد فيه النشاط النفطي زخمه مسجلاً أسرع وتيرة نمو منذ ثلاث سنوات، تواصل الأنشطة غير النفطية لعب دور "صمام الأمان" ومحرك النمو المستدام.

​هذا التزامن، المدعوم بقطاعات حيوية كالسياحة والصناعة والضيافة، قاد الاقتصاد لتحقيق أرقام لافتة:

​تسارع النمو في الربع الثالث إلى 4.8% على أساس سنوي.

​مقارنة بنمو 4.5% في الربع الثاني، و3.7% في الربع الأول.

هذا المنحنى التصاعدي يؤكد أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق مستهدفاتها.


​ميزانية السعودية 2026: التوسع المدروس

​كيف نقرأ هذه التوقعات في ضوء ميزانية السعودية 2026؟ إن قرار الحكومة بتبني ميزانية توسعية بنفقات تبلغ 1.31 تريليون ريال (زيادة 2%)، مع قبول عجز مقدر بـ 165 مليار ريال (3.3% من الناتج)، يعكس "جرأة مدروسة".

​المملكة تختار بوعي استمرار الإنفاق الاستراتيجي على المشاريع الكبرى والبرامج الاجتماعية، مفضلة دعم النمو الاقتصادي على التقشف المالي قصير الأمد؛ خاصة وأنها تستهدف خفض العجز تدريجياً ليصل إلى:

​2.3% في عام 2027.

​2.2% في عام 2028.


​توقعات التضخم وأسعار الفائدة 2025

​المشهد يكتمل بالنظر إلى السياسة النقدية؛ حيث تشير التوقعات إلى بيئة استثمارية أكثر جاذبية للقطاع الخاص خلال العام المقبل:

​انخفاض التضخم: يتوقع تراجعه إلى 1.9% العام المقبل، مقارنة بـ 2.2% في أكتوبر الماضي.

​أسعار الفائدة: يرجح الخبراء خفض الفائدة بنحو 50 نقطة أساس بنهاية العام المقبل.

​هذا المزيج يعني "تكلفة تمويل أقل" للشركات، وهو الوقود الحقيقي الذي تحتاجه لتتوسع وتساهم في الناتج غير النفطي.


​نظرة المؤسسات الدولية للاقتصاد السعودي

​حتى المؤسسات الدولية الأكثر تحفظاً، مثل البنك الدولي، وجدت نفسها مضطرة لمراجعة أرقامها صعوداً، رافعة تقديرات نمو الاقتصاد السعودي في 2025 إلى 3.8% (بدلاً من 3.2%). هذا التقارب بين التقديرات الحكومية وتوقعات المؤسسات الدولية يعزز مصداقية الرؤية السعودية، وقدرتها على تحقيق أرقام نمو حقيقي بنسبة 4.3% في عامي 2026 و2027.


​الخلاصة

إن الاقتصاد السعودي في 2025 و2026 لا يراهن على "الصدفة" أو ارتفاع أسعار النفط فحسب، بل يحصد ثمار هيكلة اقتصادية جعلت من الإنفاق الحكومي "استثماراً"، ومن العجز المالي "أداة للنمو"، لنكون أمام مشهد اقتصادي يتسم بالديناميكية والمرونة في آن واحد.