الرسوم الجمركية تعصف بالشركات الأمريكية وترفع الإفلاسات لأعلى مستوى منذ 2010
شهد عام 2025 تصاعدًا لافتًا في حالات إفلاس الشركات الأمريكية، مسجلاً مستويات لم تشهدها البلاد منذ أعقاب الأزمة المالية العالمية، وفق ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في عددها الصادر اليوم الأحد، في مؤشر يعكس ضغوطًا هيكلية عميقة داخل الاقتصاد الأمريكي.
الرسوم الجمركية في صدارة أسباب الانهيار
وأوضحت الصحيفة أن الشركات التي تعتمد على الاستيراد كانت الأكثر تضررًا، بعدما واجهت أعباء مالية متزايدة نتيجة ارتفاع الرسوم الجمركية، ما أدى إلى استنزاف السيولة وتسارع وتيرة التعثر المالي، وصولًا إلى إفلاس عدد كبير منها.
أرقام قياسية منذ 2010
وبحسب بيانات إس آند بي جلوبال ماركت إنتليجنس، تقدمت 717 شركة على الأقل بطلبات إفلاس حتى الشهر الماضي، بزيادة تقارب 14% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وهو أعلى مستوى يُسجل منذ عام 2010.
التضخم والفائدة والسياسات التجارية
وأرجعت الشركات المتعثرة أزماتها إلى مجموعة عوامل متداخلة، في مقدمتها التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، إضافة إلى السياسات التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تسببت في اضطراب سلاسل التوريد ورفع تكاليف الإنتاج.
القطاع الصناعي الأكثر تضررًا
وعلى غير المعتاد، كان الارتفاع الأبرز في حالات الإفلاس داخل القطاع الصناعي، الذي يضم شركات التصنيع والبناء والنقل، حيث تضرر بشدة من التقلب المستمر في سياسات التعريفات الجمركية، رغم تأكيدات الإدارة الأمريكية بأن هذه السياسات تهدف إلى إنعاش الصناعة المحلية.
وتشير البيانات الفيدرالية إلى أن قطاع التصنيع فقد أكثر من 70 ألف وظيفة خلال العام المنتهي في نوفمبر.
شركات السلع غير الأساسية في المرتبة الثانية
وجاءت الشركات الموجهة للمستهلكين، والتي تقدم منتجات أو خدمات غير أساسية مثل الأزياء وأثاث المنازل، في المرتبة الثانية من حيث عدد حالات الإفلاس، وهو ما يعكس تغير سلوك المستهلكين الذين باتوا يركزون على الضروريات في ظل الضغوط المعيشية.
إفلاس تحت الفصل 11 والفصل 7
وتغطي بيانات ستاندرد آند بورز نوعي الإفلاس، سواء بموجب الفصل 11 الذي يسمح بإعادة هيكلة الديون مع استمرار النشاط، أو الفصل 7 الذي يؤدي إلى تصفية الشركة وبيع أصولها بالكامل.
الشركات بين مطرقة التكاليف وخشية فقدان العملاء
ويرى خبراء الاقتصاد أن الحروب التجارية وضعت الشركات المعتمدة على الواردات في مأزق مزدوج، إذ تخشى رفع الأسعار بشكل كبير خوفًا من عزوف المستهلكين، في حين لم يُصدر البيت الأبيض أي تعليق رسمي بشأن هذه التطورات.
تضخم أقل من المتوقع.. لكن الضغوط مستمرة
ورغم أن التضخم جاء أقل من توقعات كثير من الاقتصاديين، مع تسجيل ارتفاع سنوي للأسعار بنسبة 2.7% في نوفمبر، إلا أن الشركات لا تزال تتحمل تكاليف إضافية للحفاظ على استقرار الأسعار، ما يزيد من هشاشتها المالية.
تحذير أكاديمي: القدرة على التحمل وصلت حدها
وقال جيفري سوننفيلد، أستاذ الإدارة في جامعة ييل، إن الشركات تدرك جيدًا أزمة القدرة الشرائية التي يواجهها المواطن الأمريكي، لكنها تواجه حدودًا لقدرتها على امتصاص تكاليف الرسوم الجمركية والفائدة المرتفعة، مشيرًا إلى أن الشركات القادرة على تمرير التكاليف ستفعل ذلك تدريجيًا، بينما ستخرج أخرى من السوق.
ارتفاع إفلاسات الشركات الكبرى
وشهد عام 2025 أيضًا زيادة ملحوظة في إفلاسات الشركات التي تتجاوز أصولها مليار دولار، حيث سجلت 17 حالة خلال النصف الأول من العام، وفقًا لشركة كورنرستون ريسيرش، وهو أعلى مستوى نصف سنوي منذ جائحة كوفيد-19 في 2020.
وشملت هذه الحالات شركات في قطاع السلع غير الأساسية، مثل "أت هوم" و"فور إيفر 21".
صعوبة التمويل وتراجع الطلب
وأوضح مات أوزبورن، أحد كبار مسؤولي كورنرستون، أن هذه الشركات عزت تعثرها إلى تراجع الطلب الاستهلاكي وصعوبة جمع رؤوس الأموال، إضافة إلى تأثير تغييرات السياسات الفيدرالية المرتبطة بالطاقة المتجددة والتجارة الدولية.
القطاع الصناعي بين الأزمات المتراكمة والرسوم
وفي القطاع الصناعي، شملت حالات الإفلاس شركات تصنيع وموردين، إلى جانب شركات نقل وطاقة متجددة، حيث كانت العديد منها تعاني من مشكلات سابقة تفاقمت بفعل الرسوم الجمركية والظروف الاقتصادية العامة.
إعفاءات جمركية محدودة الأثر
وقالت ميجان مارتن-شونبرجر، كبيرة الاقتصاديين في شركة كي بي إم جي، إن الرسوم الجمركية على المواد الخام المستوردة كان لها أثر مباشر على هذا القطاع، مشيرة إلى أن الإعفاءات الحكومية أفادت بشكل أساسي شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بينما تُركت صناعات أخرى دون دعم كافٍ.
تراجع ثقة المستهلكين يضغط على التجزئة
وأظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا ملحوظًا في ثقة المستهلكين، حيث انخفض مؤشر جامعة ميشيجان بنسبة 28% على أساس سنوي في نوفمبر، ما دفع المستهلكين إلى تقليص الإنفاق على الكماليات.
الرسوم الجمركية تزيد عبء المعيشة
وتشير التقديرات إلى أن الأمريكيين سينفقون نحو 1800 دولار إضافية سنويًا نتيجة الرسوم الجمركية، ما أثر بشدة على مبيعات سلع مثل المجوهرات والأثاث والحرف اليدوية.
ارتباك في موسم التسوق
كما أدت التعديلات المتكررة على الرسوم الجمركية خلال موسم التسوق إلى إرباك الشركات، خاصة تلك التي تعتمد على الواردات من الصين وجنوب شرق آسيا، حيث اضطرت بعض الشركات إلى نقل عملياتها بسرعة إلى دول ذات رسوم أقل، أو تقليص طلبياتها خوفًا من نقص السيولة.
منافسة التجارة الإلكترونية تعمّق الأزمة
ويواجه تجار التجزئة المتخصصون تحديات مزمنة في منافسة سلاسل المتاجر الكبرى والمنصات الإلكترونية، وهو ما ظهر جليًا في إفلاس سلسلة "جوان" للأقمشة والحرف اليدوية، بعد عجزها عن مجاراة الأسعار المنخفضة للتجارة الإلكترونية.
نمو اقتصادي قوي.. لكنه غير متوازن
وأظهرت بيانات حكومية أن الاقتصاد الأمريكي سجل نموًا سنويًا قدره 4.3% خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وهو الأسرع في عامين، إلا أن خبراء حذروا من أن هذا النمو مدفوع بإنفاق الشركات على الذكاء الاصطناعي وارتفاع ثروات شريحة محدودة من المستهلكين.
اقتصاد قوي على الورق فقط
واختتمت الخبيرة ميجان مارتن-شونبرجر التقرير بالتأكيد على أن الاقتصاد الأمريكي يبدو قويًا في المؤشرات العامة، إلا أن هذا الأداء لا ينعكس بالتساوي على جميع القطاعات، في ظل استمرار الضغوط على الشركات الأكثر هشاشة.












