الطفرة الرقمية.. كيف تحول استثمارات الذكاء الاصطناعي الاقتصاد الأمريكي؟

اخبار الاقتصاد الأمريكي.. تعيش كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية مرحلة غير مسبوقة من الإنفاق المكثف على مشاريع الذكاء الاصطناعي، في تحرك يُعد الأضخم في تاريخ القطاع ويكاد يعيد رسم ملامح الاقتصاد الأمريكي.
اخبار الاقتصاد الأمريكي
مع تجاوز قيمة الاستثمارات المخططة لهذا العام وحده حاجز 350 مليار دولار، تبدو هذه الموجة المالية بمثابة محرّك حيوي وسط مؤشرات تباطؤ النمو الاقتصادي وسوق العمل.
جوجل، أمازون، ميتا، ومايكروسوفت أكدت خلال تقاريرها الفصلية الأخيرة أنها تتجه لزيادة استثماراتها في البنية التحتية المتقدمة للذكاء الاصطناعي، وتوسيع مراكز البيانات الضخمة، بهدف تلبية الطلب المتزايد على قدرات الحوسبة العالية والبرمجيات الذكية.
ويرى محللون أن هذه الطفرة قد تخلق عشرات الآلاف من فرص العمل وتدفع الطلب على مكونات التقنية الأساسية، من الرقائق إلى معدات الشبكات.
ووفق تحليل نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، من المتوقع أن تسهم استثمارات الذكاء الاصطناعي بنحو 0.7% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في عام 2025، أي ما يعادل نصف مجمل النمو المتوقع للاقتصاد الأمريكي، بحسب تقديرات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
الطفرة التي بدأت مع إطلاق ChatGPT في أواخر 2022، تقود اليوم سباقاً محموماً بين عمالقة التكنولوجيا، إذ رفعت جوجل مخصصاتها الاستثمارية من 75 إلى 85 مليار دولار، بينما صرحت أمازون أنها ستتجاوز حاجز الـ100 مليار دولار في 2025. أما ميتا فخصصت 72 مليار دولار، في حين أكدت مايكروسوفت أنها في طريقها لإنفاق 30 مليار دولار في الربع الحالي فقط.
الذكاء الاصطناعي
ويؤكد تحليل الصحيفة الأمريكية أن هذه الموجة الاستثمارية تتجاوز من حيث الحجم أي مبادرة تقنية سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، بما في ذلك مشروع "أبولو" الشهير لوكالة ناسا، الذي كلف حينها ما يعادل 180 مليار دولار بقيمة اليوم. وبين عامي 2023 و2025، يُتوقع أن تنفق الشركات الأربع الكبرى أكثر مما أنفقته طوال الفترة الممتدة من 2010 إلى 2022.
لكن مع هذه الطفرة، تبرز مخاوف من أن تؤدي إلى زيادة اعتماد الاقتصاد الأمريكي على قطاع التكنولوجيا، مما يجعله أكثر عرضة لأي تباطؤ في هذا المجال. ويرى خبراء أن الاستدامة ستكون مرهونة بتحقيق الشركات لعوائد ملموسة من استثماراتها. وتوقعت مؤسسة "ريموند جيمس" الاستشارية استمرار هذه الطفرة لعامين مقبلين، بشرط تحول الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى مصادر أرباح حقيقية.
ويرى خبراء في القطاع أن هذه الموجة الاستثمارية ليست فقط محفزاً اقتصادياً، بل أيضاً جزء من سباق جيوسياسي مع قوى كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي. ويؤكد المحلل الاقتصادي محمد سعد أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه الاستثمارات إلى الحفاظ على ريادتها التقنية، معتبراً مراكز البيانات بمثابة "حصون اقتصادية" سترسم خريطة النفوذ التكنولوجي في العقد المقبل.
في المقابل، يرى المطور التكنولوجي هشام الناطور أن هذا التحول يُعيد توجيه البوصلة الاقتصادية نحو البنية التحتية الرقمية الفائقة، وليس فقط نحو القطاعات التقليدية. ويعتبر أن كل دولار يُستثمر في الذكاء الاصطناعي يُفعّل مستويات متعددة من الاقتصاد، من شركات أشباه الموصلات إلى الطاقة والإنشاءات، مما يخلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة.
وبحسب تقديراته، قد يؤدي هذا التحول إلى خلق مئات آلاف الوظائف الجديدة في السنوات الخمس المقبلة، خصوصاً في مجالات تطوير البرمجيات والبنية التحتية السحابية، في مقابل تهديد بعض الوظائف الروتينية التي قد تخضع لإعادة الهيكلة أو الإلغاء.
ورغم الدعم القوي من أسواق المال، التي كافأت شركات التكنولوجيا على استثماراتها بتحقيق مكاسب سوقية ضخمة، يحذر الخبراء من الاعتماد المفرط على قطاع واحد. فمع أن الذكاء الاصطناعي يبدو الآن محركاً رئيسياً للاقتصاد، إلا أن غياب سياسات داعمة ومستقرة قد يعرض النمو الاقتصادي الأمريكي لتقلبات حادة في حال تباطؤ هذا القطاع الحيوي.