• الرئيسية
• حياة ومجتمع

يظل الفن بجميع أشكاله، من سينما ومسرح وأدب، مرآةً صادقةً للمجتمع وذاكرةً حيّةً للأحداث الكبرى التي تُشكّل ملامح التاريخ. وفي السياق المصري، كانت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 محطة فارقة أعادت رسم موازين القوى في المنطقة، وألهبت مشاعر الفخر والانتماء لدى الشعب المصري والعربي. وقد لعب الفن دورًا محوريًا في توثيق بطولات الجنود المصريين وتضحياتهم، وتعزيز الروح الوطنية، خاصة في السينما، التي قدمت عبر العقود أعمالًا خالدة وثّقت لحظات البطولة والفداء، ونقلت الأجيال الجديدة إلى قلب المعركة.

الفن في مواجهة الحرب.. دور توثيقي وإنساني

لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية ناجحة، بل كانت أيضًا بداية لموجة فنية ذات طابع وطني، إذ جسدت الأعمال الفنية مشاعر الفرح والحزن، ورصدت تجارب الجنود والمدنيين، وعبّرت عن الألم والأمل، مما جعلها تشكل جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الجمعية المصرية والعربية.

وساهم الفن بشكل مباشر في نقل تجارب إنسانية واقعية، وتعريف الجماهير بتاريخهم من خلال سرد بصري ودرامي مؤثر، لا سيما أن بعض هذه الأعمال استند إلى وقائع حقيقية، وأحداث جرت في الميدان، أو في كواليس الحرب المخابراتية التي كانت لا تقل شراسة عن القتال المباشر.

أبرز أفلام حرب أكتوبر: سجل سينمائي للبطولة الوطنية

• الرصاصة لا تزال في جيبي (1974)

يُعد من أوائل الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر، من بطولة محمود ياسين، وحسين فهمي، ويوسف شعبان.

وقد جسد الفيلم الصراع النفسي والوطني الذي عاشه الجنود المصريون بين نكسة 1967 وانتصار 1973، ونجح في نقل صورة حيّة للمعاناة والتحول في الشخصية المصرية آنذاك.

• الصعود إلى الهاوية (1978)

فيلم مستوحى من قصة حقيقية عن الجاسوسة الإسرائيلية «هبة سليم»، ومن بطولة محمود ياسين ومديحة كامل وعماد حمدي.

تناول الفيلم الجانب الاستخباراتي والحرب النفسية خلال فترة ما قبل حرب أكتوبر، وسلط الضوء على دور المخابرات العامة المصرية في حماية الأمن القومي.

• إعدام ميت (1985)

يقدم هذا العمل الذي قام ببطولته محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني، قصة ضابط مصري يتنكر في شخصية عميل مزدوج لاختراق المجتمع الإسرائيلي، في مهمة للحصول على معلومات عن المفاعل النووي في ديمونة.

يظهر الفيلم الولاء والتضحية والشجاعة كقيم أساسية للمقاتل المصري.

• الطريق إلى إيلات (1993)

من أنجح أفلام البطولات العسكرية في التسعينيات، من بطولة عزت العلايلي ونبيل الحلفاوي. تناول الفيلم العمليات الخاصة لسلاح البحرية المصري ضد الميناء الإسرائيلي في إيلات خلال حرب الاستنزاف عام 1969، ما مهد بشكل كبير لنجاح حرب أكتوبر. الفيلم يعتبر من أقوى الأعمال الوطنية في تجسيد الضفادع البشرية المصرية وبطولاتهم.

• الممر (2019)

أحدث أفلام حرب أكتوبر وأكثرها إنتاجًا، بلغت ميزانيته أكثر من 100 مليون جنيه. من بطولة أحمد عز، وإياد نصار، وأحمد رزق، ومحمد فراج. تدور أحداث الفيلم في مرحلة ما بعد نكسة 1967 وحتى بداية حرب الاستنزاف، ويبرز دور القوات المسلحة في استعادة الثقة والانضباط بعد الهزيمة. تميز الفيلم بمشاهد قتالية دقيقة، ومؤثرات بصرية عالية الجودة، ولاقى إقبالًا جماهيريًا واسعًا.

المسرح والموسيقى... أدوار وطنية موازية

لم يقتصر تأثير حرب أكتوبر على السينما فقط، بل امتد إلى المسرح والموسيقى أيضًا، حيث تم إنتاج العديد من المسرحيات التي تناقش أثر الحرب على المجتمع والأسرة المصرية، بالإضافة إلى الأغاني الوطنية الخالدة مثل:

"بسم الله... الله أكبر"

"عبرنا الهزيمة"

"المصريين أهمه"

وهي أغانٍ صنعت روحًا جماعية تمسكت بالأمل والانتصار، وشكلت جزءًا من وجدان المواطن المصري.

ذكرى انتصار أكتوبر: ملحمة خالدة في ذاكرة الأمة

في الذكرى الـ52 لحرب السادس من أكتوبر 1973، يسترجع المصريون والعرب ذكرى العبور العظيم، عندما نجح الجيش المصري في تحطيم خط بارليف وعبور قناة السويس، في واحدة من أعظم العمليات العسكرية في التاريخ الحديث.

وقد مثل هذا الانتصار نقطة تحول استراتيجية في الصراع العربي الإسرائيلي، وغيّر من خريطة التحالفات الإقليمية والدولية. وجاءت هذه الحرب كاستجابة مصرية قوية لاستعادة الأراضي المحتلة في سيناء بعد هزيمة 1967، وتجسيدًا لإرادة الشعب في استرداد كرامته.

الفن كجسر بين الأجيال

اليوم، وبينما نحتفل بذكرى أكتوبر المجيدة، يبرز دور الفن مرة أخرى كأداة لإحياء الذاكرة الوطنية، وغرس قيم الشجاعة والانتماء والولاء للوطن في نفوس الأجيال الجديدة. كما تمثل الأعمال الفنية المرتبطة بحرب أكتوبر أرشيفًا بصريًا وثقافيًا لا غنى عنه لفهم تلك الفترة المفصلية في تاريخ مصر.

ويظل سؤال إنتاج المزيد من الأعمال الفنية حول هذه الحرب مطروحًا، خاصة مع توفر التقنيات الحديثة التي تسمح بإنتاج أعمال سينمائية عالمية المستوى، تليق بما قدمه أبطال الجيش المصري من تضحيات.