الأحد 7 ديسمبر 2025 11:14 صـ 16 جمادى آخر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

ملتقى الميزانية السعودية 2026.. حين تُصبح ”الحصافة المالية” وقوداً لاستدامة الرؤية

الخميس 4 ديسمبر 2025 12:54 مـ 13 جمادى آخر 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

عندما انعقد "ملتقى الميزانية السعودية 2026" في الرياض، غداة إقرار مجلس الوزراء للميزانية برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لم يكن الحدث مجرد استعراض للأرقام المالية المعتادة، بل كان منصة مكاشفة استراتيجية ترسم ملامح مرحلة نضج اقتصادي غير مسبوقة. إن قراءة متأنية لما طُرح في هذا الملتقى تضعنا أمام حقيقة دامغة: المملكة لم تعد تدير اقتصادها بردود الأفعال تجاه تقلبات أسواق الطاقة، بل تديره بمنهجية "الفصل الاستراتيجي" بين الإنفاق الحكومي وسعر برميل النفط.

لعل الإنجاز الأبرز الذي كشف عنه معالي وزير المالية محمد الجدعان، والمتمثل في كسر الارتباط التاريخي بين الإنفاق والدورة الاقتصادية النفطية، يُعد نقطة تحول مفصلية في تاريخ المالية العامة السعودية. فعندما يكون الإنفاق متزايداً بطريقة مدروسة ومخطط لها بمعزل عن تذبذب الإيرادات النفطية، فهذا يعني للمستثمر -محلياً كان أم أجنبيًا- شيئاً واحداً: "الاستقرار". والاستقرار هو العملة الأغلى في عالم المال والأعمال اليوم.

وفي السياق ذاته، تأتي أرقام معالي وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم لتؤكد أن الرهان على القطاع غير النفطي لم يكن خياراً ترفياً، بل كان طوق النجاة الاستراتيجي. النمو التراكمي لهذا القطاع بنسبة تجاوزت 30% منذ عام 2015، وارتفاع مساهمة القطاع الخاص إلى 50% من الناتج المحلي، يبرهن على أن "رؤية 2030" قد نجحت في خلق اقتصاد رديف وحقيقي، قادر على امتصاص الصدمات وتحقيق نمو نوعي، لا سيما مع الإشارة الذكية إلى دور "الذكاء الاصطناعي" كمحرك قادم للنمو، في استشراف للمستقبل يضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة تقنياً.

لا يمكن للمراقب أيضاً أن يغفل التحول الجذري في فلسفة "التوطين"، والذي تجلى بأوضح صوره في قطاع الصناعات العسكرية. ما ذكره المهندس أحمد العوهلي عن قفزة الإنفاق المحلي العسكري من 4% إلى قرابة 25%، وارتفاع عدد الشركات إلى 344 شركة، يتجاوز مفهوم توفير العملة الصعبة؛ إنه بناء لمنظومة أمن صناعي، وسيادة تقنية، وخلق لسلاسل إمداد معقدة تفتح أبواباً واسعة للصناعات الصغيرة والمتوسطة.
وعلى صعيد البنية التحتية والخدمات، تبدو الصورة أكثر تكاملاً. فمن حديث وزير النقل عن تحويل المملكة إلى مركز لوجيستي عالمي باستثمارات مليارية، إلى كشف وزير البلديات والإسكان عن بدء سريان تملك الأجانب للعقار قريباً، تتضح معالم بيئة استثمارية منفتحة ومرنة. إن فتح الباب لتملك الأجانب للعقار ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو رسالة ثقة وجذب لرؤوس الأموال والكفاءات البشرية للاستقرار والعمل في المملكة كوطن ثانٍ.

اجتماعياً، وتماشياً مع توجيه سمو ولي العهد بأن "المواطن أولاً"، نجد أن لغة الأرقام في قطاعي الموارد البشرية والسياحة تعكس تحسناً ملموساً في جودة الحياة والدخل. انخفاض البطالة، وارتفاع عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص إلى 2.5 مليون، بالتوازي مع استقطاب 116 مليون سائح، كلها مؤشرات تصب في هدف واحد: تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل مستدامة للأجيال القادمة.

ختاماً، إن ميزانية 2026 وما تلاها من شروحات في الملتقى، تؤكد أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو المرحلة الثالثة من الرؤية. إنها مرحلة "جني الثمار" بالتكلفة الصحيحة، ومرحلة الموازنة الدقيقة بين الطموح التنموي الهائل والحصافة المالية اللازمة لضمان الاستدامة. نحن أمام نموذج اقتصادي سعودي جديد، يتسم بالمتانة، والتنوع، والقدرة الفائقة على التكيف مع متغيرات العالم.

موضوعات متعلقة