هاني أبو الفتوح لـ « بوابة بالعربي» يفك شفرة «فجوة الشعور»: النمو يزدهر و التضخم يلتهم معيشة المواطن
تشير التقارير الحكومية، المدعومة بتوقعات متفائلة من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي للعامين 2024 و 2025، إلى تحسن ملموس في مسار الاقتصاد الكلي، مسجلةً بذلك نقطة تحول إيجابية بعد تحديات سابقة. إلا أن هذا التحسن لا يزال يواجه تحدياً حقيقياً يتمثل في «فجوة الشعور» التي يعاني منها المواطن العادي، حيث لم تنعكس الثمار بشكل واضح على مستوى المعيشة اليومي.
وفي هذا الصدد، قال هاني أبو الفتوح الخبير الاقتصادي لـ«بوابة بالعربي» إن التحسن الحالي في مؤشرات الاقتصاد الكلي يعد بمثابة بناء قاعدة الاستقرار، لكن سد فجوة الشعور التي يعاني منها المواطن يتطلب تحويل هذا الاستقرار إلى نمو عادل من خلال التركيز المباشر على خفض التضخم وخلق 1.3 مليون فرصة عمل لائقة سنوياً، بدلًا من مجرد الاعتماد على مؤشرات النمو الكلي."

أبرز جوانب التحسن الاقتصادي
أوضح «أبو الفتوح» أن التحسن الاقتصادي الحالي يقوم على ثلاث ركائز رئيسية مدعومة بأرقام رسمية وموثقة. أولاً، استقرار الاقتصاد الكلي وتعافي المؤشرات المالية، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بلغ 5.3% في الربع الأول من العام المالي 2025/2026، وهو الأقوى منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف. وأضاف أن الاحتياطي النقدي تخطى بالتوازي حاجز 50 مليار دولار، مما عزز بشكل كبير استقرار سوق الصرف.
ثانياً، لفت الخبير الاقتصادي إلى تعافي القطاعات الإنتاجية القابلة للتداول، مشيراً إلى أن بيانات وزارة التخطيط وديسمبر 2025 أظهرت نمواً قوياً في الصناعات التحويلية غير البترولية بنسبة 14.5%، وقطاع السياحة بنسبة 13.8%، كما أكد على عودة نمو إيرادات قناة السويس بنسبة 8.6% بعد فترة انكماش طويلة.
ثالثاً، أشار «أبو الفتوح» إلى تحسن بيئة الأعمال، مستشهداً بارتفاع مؤشر مديري المشتريات (PMI) إلى 51.1 نقطة في نوفمبر 2025، وفقاً لتقرير S&P Global. وأضاف أن "تجاوز المؤشر لحاجز الخمسين نقطة ودخوله منطقة التوسع يعكس تحسناً ملحوظًا في النشاط والمبيعات بالقطاع الخاص غير النفطي.
تحدي فجوة الشعور والعوائق الإجرائية
على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، أكد «أبو الفتوح»، أن التحدي الأكبر يكمن في استمرار التضخم الأساسي عند مستويات مرتفعة، حيث سجل 12.1% في أكتوبر 2025، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري. ولخص ذلك بقوله:«التضخم يلتهم أي زيادة في الدخل النقدي للمواطن ويمنعه من الشعور بالتحسن الاقتصادي الحقيقي».
وسلط الخبير الاقتصادي الضوء على عوائق إجرائية أخرى تمنع وصول ثمار التحسن بشكل أسرع، على رأسها أزمة التوظيف، وأوضح أن هناك فجوة حادة بين الداخلين الجدد لسوق العمل، والذين يقدرون بـ 1.3 مليون شاب سنوياً، والوظائف التي يتم خلقها فعلياً، والتي لا تتجاوز نصف مليون وظيفة تقريباً، خاصة في قطاعات القيمة المضافة العالية.
كما أضاف أن القطاع الخاص لا يزال يعيقه تحديات هيكلية، مثل صعوبة الوصول للتمويل، حيث ائتمان القطاع الخاص لا يزال أقل من 30% من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن تحديات المنافسة مع الوجود الحكومي الكبير في السوق، ( 561 كيانًا نشطًا) وفقاً لتقرير البنك الدولي لعام 2025.

خطة التسريع والمؤشرات البديلة لقياس الأثر على الفرد
ولمعالجة هذه الفجوة وتسريع انعكاس التحسن على حياة المواطن، اقترح أبو الفتوح «آلية تسريع» ترتكز على ثلاثة محاور: تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص: من خلال التسريع في تطبيق وثيقة سياسة ملكية الدولة لتعزيز المنافسة، وتحسين فرص حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة على التمويل.
إصلاحات سوق العمل النوعية: عن طريق توجيه الاستثمارات نحو الصناعات عالية التكنولوجيا والطاقة المتجددة التي تخلق وظائف ذات قيمة مضافة أعلى، بالتزامن مع تحديث التدريب الفني والمهني
الاستدامة المالية: بالحفاظ على سياسة نقدية حذرة لخفض التضخم نحو مستويات مستدامة، مما يدعم القوة الشرائية الحقيقية.
وختم «أبو الفتوح» حديثه داعياً الحكومة إلى التركيز على مؤشرات بديلة لتقييم مدى وصول التحسن للمواطن كأهداف قصيرة الأجل، أبرزها: متوسط الأجر الحقيقي (لقياس القوة الشرائية بعد تحييد أثر التضخم)، ومعدل التضخم الأساسي الشهري، ومعدل خلق الوظائف الصافية في القطاع الخاص، مؤكداً أن هذه المؤشرات هي المعيار الحقيقي لنجاح الإصلاحات على المستوى الفردي.












