أسعار النفط ترتفع بأكثر من 1% بعد تشديد الحصار على فنزويلا
ارتفعت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم بأكثر من 1%، مدفوعة بتصاعد المخاوف الجيوسياسية عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض حصار «كامل وشامل» على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل فنزويلا وتغادرها، في خطوة أعادت القلق بشأن استقرار الإمدادات العالمية، رغم استمرار الضبابية المحيطة بمستويات الطلب.
وسجلت العقود الآجلة لخام برنت ارتفاعًا بنحو 70 سنتًا، ما يعادل 1.2%، لتصل إلى 59.62 دولارًا للبرميل، فيما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 73 سنتًا، أو 1.3%، ليسجل 56 دولارًا للبرميل.
وجاء هذا الصعود بعد فترة من الضغوط السعرية، إذ استقرت أسعار الخام في الجلسة السابقة قرب أدنى مستوياتها في خمس سنوات، على خلفية آمال بتحقيق تقدم في محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، وما قد ينتج عنها من تخفيف محتمل للعقوبات الغربية، وزيادة الإمدادات في سوق يعاني أساسًا من ضعف الطلب العالمي.
إلا أن المخاوف الجيوسياسية عادت لتفرض نفسها على معنويات السوق، مع اتجاه المستثمرين إلى إعادة تقييم مخاطر الإمدادات، في ظل تداخل ملفات فنزويلا وروسيا وإيران داخل سوق النفط العالمية.
مكاسب واضحة للعقود الآجلة
وبحسب ما نقلته وكالة “رويترز”، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 79 سنتًا، أي 1.3%، لتصل إلى 59.71 دولارًا للبرميل عند الساعة 05:00 بتوقيت غرينتش، فيما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 77 سنتًا، أو 1.4%، ليبلغ 56.04 دولارًا للبرميل.
وتأتي هذه المكاسب بعد أن تعرضت أسعار النفط لضغوط قوية في الجلسة السابقة، مع تراجعها إلى ما دون مستوى 60 دولارًا للبرميل، الأمر الذي دفع بعض المتعاملين إلى العودة لشراء العقود الآجلة، مستفيدين من المستويات السعرية المنخفضة نسبيًا.
وبذلك، تضافر العامل النفسي المرتبط بتصاعد التوترات السياسية مع تعافي عمليات الشراء الفنية، ليشكلا معًا دعمًا لأسعار النفط خلال تعاملات اليوم.
حصار فنزويلا وتأثيره المحتمل على الإمدادات
وكان الرئيس الأميركي قد أصدر، يوم أمس الثلاثاء، أوامر بفرض حصار على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل وتغادر فنزويلا، مشيرًا إلى أنه بات ينظر إلى حكّام البلاد باعتبارهم منظمة إرهابية أجنبية، وهي خطوة من شأنها تعقيد تدفقات النفط من الدولة العضو في منظمة «أوبك».
ويرى أحد متداولي النفط في الولايات المتحدة أن هذه الإجراءات قد تؤثر على ما بين 400 و500 ألف برميل يوميًا من الإمدادات، وهو ما قد يدفع الأسعار للارتفاع بما يتراوح بين دولار ودولارين للبرميل، في حال استمر تأثير الحصار لفترة ملموسة.
في المقابل، يشير متعاملون في أسواق آسيا إلى أن تعافي عمليات الشراء بعد الهبوط الحاد للأسعار كان عاملًا رئيسيًا في دعم السوق، وليس فقط المستجدات المتعلقة بفنزويلا، وهو ما يعكس تداخل العوامل السياسية والفنية في تحركات الأسعار.
تباين آراء المتعاملين والمخاطر المستقبلية
وفي هذا السياق، قال أحد المتداولين إن الارتفاع الحالي «مدفوع إلى حد كبير بالعامل النفسي المرتبط بأخبار فنزويلا»، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن أحجام الصادرات الفنزويلية لا تزال محدودة نسبيًا ضمن الإمدادات العالمية. وأكد أن السوق يظل معرضًا لمخاطر الهبوط، في ظل تركّز الاهتمام على تطورات ملف روسيا وأوكرانيا.
من جانبه، رأى متداول آخر أن هذا الصعود قد لا يكون مستدامًا، معتبرًا أنه «قد يشكل فرصة لبعض المتعاملين لبناء مراكز بيع»، في ظل استمرار الضبابية التي تحيط بآفاق الطلب العالمي.
وتأتي هذه التطورات بعد أسبوع واحد فقط من استيلاء الولايات المتحدة على ناقلة نفط خاضعة للعقوبات قبالة السواحل الفنزويلية، ما يزيد من التساؤلات بشأن آلية تنفيذ الحصار الجديد واتساع نطاقه.
ضبابية التنفيذ وتداخل الإمدادات العالمية
ولا تزال تفاصيل تطبيق الحصار غير واضحة، سواء من حيث عدد الناقلات التي ستتأثر فعليًا، أو الكيفية التي ستنفذ بها الولايات المتحدة هذه الإجراءات، أو ما إذا كان الرئيس الأميركي سيلجأ إلى خفر السواحل لاعتراض السفن، كما حدث في الأسبوع الماضي، لا سيما مع تعزيز واشنطن وجودها البحري في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة.
وفي المقابل، لا تخضع جميع السفن التي تنقل النفط الفنزويلي، وكذلك الخام القادم من إيران وروسيا، للعقوبات، كما تواصل ناقلات مستأجرة من شركة «شيفرون» نقل الخام الفنزويلي إلى الولايات المتحدة بموجب ترخيص سابق.
وتظل الصين أكبر مشترٍ للنفط الفنزويلي، إذ يشكل الخام القادم من فنزويلا نحو 4% من إجمالي وارداتها النفطية، ما يضفي بُعدًا دوليًا إضافيًا على أي تصعيد محتمل في هذا الملف.
نظرة السوق على المدى القصير والطويل
ويرى محللون أن سوق النفط يتمتع حاليًا بإمدادات كافية، وهو ما يحد من احتمالات حدوث قفزات سعرية حادة على المدى القصير، ما لم تتطور الأحداث إلى إجراءات انتقامية أوسع تؤثر في أنظمة النفط والغاز في منطقة الأميركيتين.
وفي هذا الإطار، قال إمريل جميل، كبير محللي النفط في مجموعة بورصات لندن (LSEG)، إن «حدوث قفزة سعرية قوية في الأجل القريب يظل أمرًا غير مرجح»، في ظل استمرار توقعات فائض الإمدادات العالمية في صدارة اهتمامات المتعاملين.
وأضاف أن أي اضطراب طويل الأمد في الإمدادات، إذا استمر لفترة ممتدة، قد يدعم أسعار درجات الخام الثقيلة على المدى الأطول، ما يجعل مسار أسعار النفط مرهونًا بتطورات السياسة والجغرافيا السياسية خلال المرحلة المقبلة.












