تقرير حكومي مصري: الصراع الإيراني الإسرائيلي يهدد استقرار الاقتصاد العالمي

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريرًا تحليليًا تناول فيه التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية لتصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، مسلطًا الضوء على مدى تأثير هذا التصعيد على الأسواق العالمية في ظل الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، باعتبارها موطنًا لأكبر احتياطات الطاقة عالميًا، ومحورًا رئيسيًا لمرور التجارة الدولية عبر ممرات بحرية حيوية مثل مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس.
وأكد التقرير أن المنطقة تمثل مركزًا بالغ الحساسية في منظومة الأمن الاقتصادي والسياسي العالمي، مشيرًا إلى أن أي زعزعة لاستقرارها، لاسيما في ظل تصعيد عسكري إقليمي، سينعكس على أسواق الطاقة والنقل والتجارة والذهب والماليات العالمية.
أولًا: الطاقة في مهب التصعيد
رصد التقرير تأثيرات فورية على أسعار النفط والغاز نتيجة الضربات الإسرائيلية على مواقع داخل إيران، حيث ارتفع خام برنت بنسبة 13% متجاوزًا 75 دولارًا للبرميل، بينما ارتفع الخام الأمريكي بنسبة 8%. ورغم أن البنية التحتية لم تُستهدف بشكل مباشر، إلا أن الأسواق تفاعلت مع المخاطر المحتملة، خاصة تلك المتعلقة بخسارة محتملة لنحو 1.7 مليون برميل يوميًا من النفط الإيراني حال فرض عقوبات أكثر تشددًا.
وتُعد احتمالية استهداف منشآت تصدير النفط الإيرانية أو تعطيل مضيق هرمز من أبرز السيناريوهات التي قد ترفع أسعار النفط إلى ما بين 100 و150 دولارًا للبرميل. وفي حال تضرر النقل البحري عبر المضايق الثلاث، فقد تترتب زيادات كبيرة في تكاليف الشحن والتأمين، ما يؤثر مباشرة على إمدادات الطاقة والأسواق.
ثانيًا: الطيران والسياحة في دائرة التأثر
أدى التصعيد إلى تعطيل المجال الجوي في دول مثل إيران والعراق، ما أجبر شركات طيران عالمية على تعديل مساراتها، وزاد من تكاليف التشغيل، وأطال زمن الرحلات الجوية. كما رفعت الزيادة المفاجئة في أسعار الوقود من تكاليف التذاكر بنسبة متوقعة تصل إلى 15%.
تأثرت شركات الطيران التي ما زالت في مرحلة التعافي من تداعيات جائحة "كوفيد-19"، ما أدى إلى خسائر تشغيلية وتراجع حركة السفر إلى وجهات متأثرة بالصراع. في المقابل، استفادت دول مثل مصر والسعودية من تحول مسارات الطيران نحو أجوائها، رغم التحديات المرتبطة بضغط الملاحة الجوية.
ثالثًا: التجارة العالمية تحت التهديد
أشار التقرير إلى ارتفاع مستوى المخاطر في ممرات بحرية استراتيجية، وعلى رأسها مضيق هرمز الذي يمر من خلاله نحو 30% من النفط المنقول بحرًا عالميًا. ومع تصنيف بعض المناطق بأنها "عالية الخطورة"، ارتفعت أقساط التأمين على السفن بشكل كبير، وهو ما دفع بعض الشركات لدراسة خيارات الالتفاف عبر طرق بديلة أطول وأكثر تكلفة.
كما حذّرت شركات التأمين من تداعيات محتملة على عقود الشحن والنقل البحري، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وزيادة في كلفة الواردات والصادرات، خاصة في آسيا وأوروبا.
رابعًا: الذهب كملاذ آمن في وجه التصعيد
سجلت أسعار الذهب قفزات جديدة مع تفاقم التصعيد العسكري، حيث ارتفعت إلى مستويات قياسية تجاوزت 3500 دولار للأونصة، مدفوعة بمخاوف المستثمرين من اتساع رقعة النزاع. وشكّل الذهب ملاذًا تقليديًا وسط اضطرابات الأسواق والتوترات الجيوسياسية، وهو ما زاد من جاذبيته إلى جانب ضعف مؤشرات التضخم في بعض الاقتصادات الكبرى، وتوقعات خفض الفائدة الأمريكية.
خامسًا: الأسواق المالية والعملات بين التراجع والتحوط
تراجعت مؤشرات البورصات العالمية مع بدء العمليات العسكرية، وسط موجة بيع جماعية للأسهم، لا سيما في قطاعات النقل والطيران والتكنولوجيا. وعلى الجانب الآخر، ارتفعت أسهم شركات الطاقة والدفاع، وحقق الدولار الأمريكي مكاسب أمام العملات الأخرى بفعل توجه المستثمرين إلى الأصول الآمنة.
وبينما تأثرت بورصات الشرق الأوسط سلبًا، خاصة في إسرائيل ودول الخليج، أظهرت بعض أسواق المال مرونة محدودة، في انتظار ما إذا كان التصعيد سيتحول إلى مواجهة شاملة أو سيظل محدود النطاق.
سادسًا: النظام المصرفي أمام تحديات الفائدة والتضخم
اعتبر التقرير أن ارتفاع أسعار النفط سيزيد من صعوبة خفض أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى. فمن جهة، يؤدي التصعيد إلى ضغوط تضخمية، ومن جهة أخرى، يهدد بتباطؤ اقتصادي يدفع البنوك المركزية إلى موقف حذر.
وأشار إلى أن كل زيادة بنسبة 10% في أسعار النفط تُترجم إلى زيادة بنحو 0.4% في معدل التضخم العالمي، مما يفرض على البنوك المركزية الموازنة بين استقرار الأسعار ودعم النمو الاقتصادي. وتوقّع التقرير أن تبقي البنوك الكبرى مثل الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا على أسعار الفائدة دون تغيير في المدى القريب.
خلاصة وتوقعات مستقبلية:
خلص التقرير إلى أن التصعيد الإسرائيلي الإيراني يمثل تهديدًا مباشرًا لعدد من الركائز الأساسية في الاقتصاد العالمي، ولا سيما قطاعات الطاقة والنقل والتجارة والماليات. كما نبه إلى أن المنطقة تقف على عتبة مرحلة حرجة قد تعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، خاصة في حال تحوّل المواجهة إلى صراع إقليمي ممتد.
ودعا التقرير إلى رصد دقيق للتطورات المتلاحقة وتأثيراتها على تدفقات الطاقة، حركة الطيران، وسلاسل الإمداد، محذرًا من أن أي تصعيد إضافي قد يعيد العالم إلى موجات من عدم الاستقرار المالي والتجاري قد يصعب احتواؤها في المدى القصير.