• الرئيسية
• اقتصاد بالعربي

تشهد الأسواق الأمريكية واحدة من أقسى موجات خفض التصنيفات الائتمانية منذ عام 2021، ما يثير مخاوف متزايدة بشأن قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها وسط مناخ اقتصادي تكتنفه الضبابية.

ووفقاً لتقرير حديث صادر عن خبراء استراتيجيين في بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، فقد تم خلال الربع الثاني من العام الجاري خفض التصنيف الائتماني لديون أمريكية ممتازة بقيمة 94 مليار دولار، مقارنة بنحو 78 مليار دولار فقط من الديون التي تم ترقيتها.

وهذه هي المرة الأولى منذ أوائل عام 2021 التي تتجاوز فيها التخفيضات الائتمانية حجم الترقيات من حيث القيمة الدولارية.

ويحذر محللو "جيه بي مورغان"، من ضمنهم إريك باينشتاين وسيلفي مانتري، من أن هذه الموجة قد تستمر خلال الشهور المقبلة، في ظل استمرار حالة عدم اليقين التي تحيط بالاقتصاد العالمي، لاسيما مع تصاعد التوترات التجارية.

حالة غموض اقتصادي مدفوعة بالحروب التجارية

تشير التقارير إلى أن حالة الغموض التي تخيم على المشهد الاقتصادي لا تزال قائمة، خاصة مع عدم وضوح مسار الحروب التجارية العالمية، الأمر الذي يُعقّد عملية تقييم السندات. فعلى الرغم من قوة أداء بعض السندات المصنفة للاستثمار، فإن الفجوة في أسعارها ضيقة نسبياً.

فعلى سبيل المثال، ظلت الفروق السعرية للسندات الأميركية ذات التصنيف الاستثماري عند مستوى 0.8 نقطة مئوية، وهو أقل بكثير من المتوسط التاريخي البالغ 1.5 نقطة. أما السندات عالية المخاطر، فقد سجلت فروقاً تقارب 2.8 نقطة مئوية، ما زال دون المتوسط البالغ 4.9 نقطة.

ويؤكد جون كوران، رئيس قسم الائتمان المصنف استثمارياً لدى "برينسيبال آست مانجمنت"، أن اختيار السندات المناسبة بات أكثر أهمية من أي وقت مضى، قائلاً: "قابلية التعرض لخفض التصنيف أصبحت أعلى الآن، وعلى المستثمرين أن يحددوا مراكزهم بدقة".

تراجع في جودة الائتمان ومؤشرات إنذار

في الوقت نفسه، تبرز مجموعة من المؤشرات المثيرة للقلق بشأن جودة الائتمان لدى الشركات الأمريكية، منها ارتفاع نسبة الشركات التي تؤجل مدفوعات الفائدة، بما يعرف بـ"الدفع العيني"، والتي وصلت إلى 9% عالمياً، مقارنة بـ4% فقط في عام 2020.

كما بدأت أرصدة السيولة النقدية لدى الشركات مرتفعة التصنيف في التراجع، وهو ما قد يشير إلى ضغوط تمويلية مستقبلية.

ومن المنتظر أن يقدم موسم أرباح الربع الثاني في الولايات المتحدة، الذي ينطلق الأسبوع المقبل، رؤية أوضح حول أداء الشركات المالي.

من جانبها، تعتمد شركات إدارة الأصول الكبرى مثل "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (بيمكو) استراتيجيات استثمارية أكثر تحفظاً. وأكدت سونالي بير، مديرة محفظة الائتمان لدى بيمكو، أن شركتها تتفادى القطاعات المعرّضة لمخاطر اقتراض عالية أو تراجع هيكلي مثل التجزئة، والتعدين، وصناعة السيارات، بينما تركّز على القطاعات الدفاعية مثل البنوك والرعاية الصحية وخطوط الأنابيب.

رغم التحديات.. تفاؤل حذر بين المستثمرين

ورغم كل هذه الإشارات التحذيرية، لا يزال عدد كبير من المستثمرين يبدون تفاؤلاً عاماً تجاه ائتمان الشركات الأمريكية، خاصة في ظل العوائد الجذابة مقارنة بمتوسطات العقد الماضي.

ويشير محللون إلى أن مديري المحافظ الاستثمارية في أوروبا والولايات المتحدة يواصلون بيع عقود الحماية من التخلف عن السداد بوتيرة مرتفعة، ما يعكس ثقة نسبية في متانة السوق.

وتُظهر البيانات التي جمعتها "باركليز" و"بلومبرغ" أن القيمة الإجمالية لعقود الحماية على مؤشر الائتمان الرئيسي الأمريكي المصنف للاستثمار تجاوزت 105 مليارات دولار، وهو أعلى مستوى خلال ثلاث سنوات.

ومع ذلك، فإن التقييمات الأوسع، التي تشمل الملائكة النازلة – أي السندات التي فقدت تصنيفها الاستثماري – تُظهر اتجاهات مقلقة. فخلال الربع الثاني فقط، بلغت قيمة هذه السندات نحو 34 مليار دولار، مقابل ثلاثة مليارات دولار فقط من السندات التي تمت ترقيتها إلى تصنيف أعلى، والمعروفة باسم النجوم الصاعدة.

تهديدات ترامب التجارية تعمّق التوتر

وفي تطور قد يزيد من حدة التوتر في الأسواق، صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من لهجته التجارية، مهدداً بفرض رسوم جمركية تصل إلى 35% على بعض السلع الكندية. وتأتي هذه التصريحات في وقت يترقب فيه المستثمرون مسار العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها.

وأشارت كريستينا بادجيت، رئيسة أبحاث التمويل في وكالة "موديز"، إلى أن الشركات تعاني بالفعل من تبعات بيئة غير مستقرة، موضحة أن "الرسوم الجمركية أحد المخاطر، لكن حالة عدم اليقين العامة أكثر إرباكاً".

وأضافت: "مصير العديد من الشركات لا يزال غامضاً في ظل هذه البيئة المتقلبة"