سامر شقير يكتب: من السيولة إلى التجزئة.. قصة تحوّل يرويها الاقتصاد السعودي

في المشهد الاقتصادي السعودي المتجدد، يلمس المتابع تفاصيل دقيقة، تتجاوز الأرقام المجردة لتلامس نبض الحياة اليومية. في أحد المراكز التجارية الفاخرة، يرى المرء كيف أن طوابير المتسوقين، والخيارات المتزايدة للدفع عبر تطبيقات الهواتف، ليست مجرد مظاهر، بل هي انعكاس حقيقي لثقة متنامية تُترجم إلى أرقام قياسية. إنها قصة السيولة التي تحولت من مجرد أصول إلى وقود حقيقي يدفع عجلة النمو في القطاعات غير النفطية.
السيولة الفائضة: الشريان النابض
لطالما كانت السيولة شريان أي اقتصاد، وفي السعودية، أصبح هذا الشريان يتدفق بقوة غير مسبوقة. وصول إجمالي المعروض النقدي إلى ما يتجاوز 3.1 تريليون ريال سعودي هو أكثر من مجرد إحصائية؛ إنه مؤشر على تدفق الثروة إلى السوق، مما يتيح للمستثمرين ورجال الأعمال فرصة ذهبية لتمويل مشاريعهم الجديدة. هذه السيولة لم تركد، بل اندفعت لتغذي شرايين الاقتصاد، وعلى رأسها قطاع التجزئة، الذي أصبح مرآة تعكس قوة الإنفاق الاستهلاكي وثقة المستثمرين.
التجزئة: وجهة الاستثمار والثقة
في قلب هذه الحيوية، يبرز قطاع التجزئة كأحد أبرز المستفيدين والمساهمين في النمو. إن حصول شركة سينومي للتجزئة على تمويل ضخم بقيمة 2.95 مليار ريال سعودي من تحالف مصرفي ليس مجرد صفقة تجارية، بل هو رسالة واضحة من المؤسسات المالية الكبرى. هذه الرسالة تؤكد أن القطاع التجاري يحظى بدعم قوي وثقة راسخة، وأن الاستثمار فيه ليس مجرد خيار، بل هو خطوة استراتيجية نحو تعزيز القوة الشرائية وتنشيط الأسواق. هذا التمويل سيمكن الشركة من توسيع أعمالها، وهو ما يصب في مصلحة المستهلك والاقتصاد ككل.
التقنية المالية: الجيل الجديد من النمو
لكن القصة لا تكتمل دون الإشارة إلى المحفز الأهم للنمو: التقنية المالية (FinTech). فطموح شركة تامارا لجمع 1.4 مليار دولار يظهر كيف أن قطاع التجزئة لا ينمو بالشكل التقليدي فقط، بل يتبنى حلولاً مالية مبتكرة. إن هذا الاستثمار الضخم في خدمات "اشتر الآن وادفع لاحقًا" ليس مجرد تمويل، بل هو رهان على مستقبل يسهل فيه التسوق ويصبح أكثر مرونة. هل يشير هذا التكامل بين التمويل التقليدي والتقنية المالية إلى نموذج جديد من الشراكة يضمن نموًا أكثر استدامة؟
خاتمة: قصة تحوّل مستمرة
في الختام، إن هذه المؤشرات مجتمعة لا ترسم فقط صورة لاقتصاد قوي، بل تؤكد أن الثقة في السوق السعودي أصبحت حقيقة ملموسة. إنها ليست مجرد أرقام، بل هي قصة تحوّل اقتصادي تتجسد في كل صفقة، وفي كل استثمار جديد، لتؤكد أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها الاقتصادية الطموحة.