الإثنين 23 يونيو 2025 11:28 صـ 26 ذو الحجة 1446 هـ
بوابة بالعربي
رئيس التحرير محمد رجب سلامة
×

بين الكفاءة والتعددية.. هل يغير برلمان 2025 وجه الحياة السياسية في مصر؟

الثلاثاء 10 يونيو 2025 02:58 مـ 13 ذو الحجة 1446 هـ
الحياة السياسية في مصر
الحياة السياسية في مصر

مع انتهاء عطلة عيد الأضحى، دخلت الأحزاب المصرية حالة من التأهب القصوى إيذانًا بانطلاق ماراثون الانتخابات البرلمانية لعام 2025. هذا الحراك السياسي المكثف يأتي في ظل مؤشرات واضحة للتحول، أبرزها تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديلات قوانين مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما يمثل إعلانًا صريحًا ببدء العد التنازلي لاستحقاق ديمقراطي بالغ الأهمية، تتسابق خلاله القوى السياسية لإعادة رسم خريطة البرلمان المصري المقبل.

خارطة سياسية جديدة بعد تصديق الرئاسة على تعديلات قوانين البرلمان
فور انتهاء عيد الأضحى، دخلت الأحزاب والقوى السياسية بمختلف تشكيلاتها وأماناتها بالمحافظات حالة من التأهب القصوى. جاء ذلك بعد أن صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 2014، والقانون رقم 174 لسنة 2020 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب. كما صدّق الرئيس على تعديل بعض أحكام قانون مجلس الشيوخ الصادر بالقانون رقم 141 لسنة 2020. وقد جاء هذا التصديق بعد موافقة مجلس النواب نهائيًا على هذه التعديلات في جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 25 مايو الماضي.

أُطلقت صافرة البداية للانتخابات البرلمانية المقبلة، مع وضوح خارطة طريق الاستحقاق الانتخابي لمجلس الشيوخ خلال الفترة القليلة القادمة. تعمل الأحزاب حاليًا على إعداد قوائم مرشحيها على المقاعد الفردية، كما تنطلق نحو مشاورات سياسية مكثفة تهدف إلى تشكيل قائمة وطنية موسعة تضمن تمثيلًا لمختلف الأطياف السياسية.

كان الدكتور عبد الهادي القصبي، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، قد تقدم بمشروعي قانونين. الأول يتعلق بتعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 2014 والقانون رقم 174 لسنة 2020 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب. أما الثاني فيخص تعديل بعض أحكام قانون مجلس الشيوخ الصادر بالقانون رقم 141 لسنة 2020. وقد وقع على مشروعي القانونين أكثر من عشر عدد أعضاء مجلس النواب، من أحزاب "مستقبل وطن"، "الشعب الجمهوري"، "حماة وطن"، بالإضافة إلى مستقلين من تنسيقية شباب الأحزاب.

وأضاف القصبي أن التعديلات الجديدة تراعي التجاوز الجغرافي بين المحافظات في كل دائرة من الدوائر الانتخابية المخصصة للانتخاب بنظام القائمة، وذلك وفقًا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والهيئة الوطنية للانتخابات لعام 2025. وقد تم إعادة توزيع المقاعد على جميع دوائر الانتخاب بنظام القائمة، بما يتماشى مع متوسط التمثيل النيابي ونسب الانحراف المقبولة. وأشار إلى أنه تم توزيع تقسيم الدوائر المغلقة المطلقة في 4 دوائر انتخابية بواقع 40 مقعدًا بدائرتين و102 مقعد بدائرتين أخريين، بإجمالي 284 مقعدًا لنظام القوائم. أما بالنسبة لمجلس الشيوخ، فقد تم إعادة توزيع مقاعد القوائم على أربع دوائر بواقع 13 مقعدًا لدائرتين و37 مقعدًا للدائرتين الأخريين بإجمالي 100 مقعد لنظام القوائم.

تحالف الأحزاب المصرية يحدد استراتيجية المنافسة الانتخابية
يُعقد غدًا الأربعاء أول اجتماع رسمي لتحالف الأحزاب المصرية، الذي يضم 42 حزبًا سياسيًا، وذلك بعد عطلة العيد. سيبحث الاجتماع الملفات المحورية المرتبطة بالاستعدادات للانتخابات البرلمانية المنتظرة في 2025.

بدأت الاستعدادات تزداد زخمًا وقوة، مع اتساع رقعة المشهد السياسي نتيجة انضمام وافدين جدد إلى الساحة. بعض هذه الكيانات الجديدة تمتلك قدرات تنظيمية ومالية وكوادر سياسية تسعى لإثبات ذاتها على خريطة البرلمان القادم، مثل حزبي الجبهة والوعي. في المقابل، هناك كيانات لا تزال تخطو خطواتها الأولى في محاولة لتثبيت أقدامها، كالحزب الليبرالي المصري، الذي يسعى لتوسيع مساحة انتشاره السياسي والجغرافي لتقليص الفجوة الزمنية بين حداثة النشأة وقرب موعد الاستحقاق البرلماني.

هذا الزخم أوجد حالة من التحفز لدى الأحزاب القائمة، لا سيّما تلك التي تمتلك تمثيلًا برلمانيًا حاليًا، والتي بدأت في إعادة ترتيب صفوفها. ويتم ذلك سواء عبر تجديد هياكلها الداخلية وضخ دماء جديدة شابة وتمثيل الفئات المهمشة، أو من خلال الانخراط في تحالفات انتخابية بحثًا عن الاستفادة من القوة التنظيمية الجماعية في سبيل تأمين أكبر عدد ممكن من المقاعد داخل قبة البرلمان.

بيئة سياسية مواتية واستحقاق ديمقراطي بثقة وشفافية
تُجرى انتخابات البرلمان الجديد بمجلسيه في بيئة سياسية مواتية إلى حد بعيد، في ظل الثقة التي نجحت الدولة في ترسيخها بعد كبح التهديدات الكبرى التي كانت تتربص بالمؤسسات، وعلى رأسها خطر الإرهاب. هذا النجاح عزز مناخ الديمقراطية وفتح المجال العام أمام الفاعلين الحزبيين لممارسة أنشطتهم والتعبير عن رؤاهم بحرية.

وجاءت خطوات داعمة لاحقة لترسيخ هذا الانفتاح، كان أبرزها الحوار الوطني، الذي شكّل جسرًا لتقريب وجهات النظر بين الدولة ومكونات المجتمع الحزبي والمدني، وساهم في تعزيز التفاعل الإيجابي. كما توّج هذا المشهد بموافقة القوى السياسية على القانون الانتخابي وتعديل الدوائر، وإعادة التأكيد على الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، ما اعتبر عنصرًا حاسمًا في تجديد الثقة الشعبية بمنظومة الاستحقاق البرلماني.

هل نحتاج إلى المزيد من الأحزاب أم إلى مزيد من الكفاءة؟
في ظل هذا المناخ المتحرك سياسيًا، تُطرح مجددًا الأسئلة التقليدية مع كل استحقاق انتخابي: هل يحتاج المشهد السياسي إلى فواعل جديدة ترفد تجربة التعددية الحزبية وتترجم روح المادة 5 من الدستور التي تؤكد أهمية التنوع السياسي كأساس لتطور الحياة الديمقراطية؟ أم أن الأولوية يجب أن تُمنح للكفاءة السياسية والقدرة على التأثير الحقيقي في السياسات العامة واحتياجات المواطنين؟

إن الانتخابات البرلمانية المقبلة ومخرجاتها ستكون بمثابة المؤشر الأولي للإجابة عن هذا التساؤل الجوهري، حيث يُنتظر أن تكشف طبيعة المرشحين، وحجم التفاعل المجتمعي، ونسبة التمثيل السياسي، ومدى قدرة القوى الحزبية الجديدة والقديمة على تحقيق التوازن بين الكم والنوع في تركيبة البرلمان.

تبدأ مصر صفحة جديدة من الحراك الديمقراطي مع اقتراب استحقاق برلماني يُعد الأكبر منذ انطلاق الحوار الوطني. ما بين تحالفات تتشكل، وأحزاب تراجع أوراقها، ومرشحين يسعون للعبور إلى مقاعد التأثير، تبدو الطريق إلى برلمان 2025 محفوفة بالتحديات، ولكنها أيضًا غنية بالفرص، لمن يُحسن القراءة والاستعداد. فهل تشهد المرحلة المقبلة برلمانًا يعكس روح التعدد والتجديد والكفاءة معًا؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.