الخميس 28 أغسطس 2025 06:32 صـ 4 ربيع أول 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

القطاع المصرفي السعودي أمام تحديات السيولة والتوسع.. قفزة في المطلوبات المحلية والأجنبية

الأحد 24 أغسطس 2025 12:06 مـ 29 صفر 1447 هـ
القطاع المصرفي السعودي
القطاع المصرفي السعودي

يشهد القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية تغيرات لافتة في هيكل التمويل والمطلوبات، تعكس ديناميكية متسارعة في النشاط الاقتصادي من جهة، وتحديات متزايدة على صعيد السيولة وإعادة هيكلة مصادر الأموال من جهة أخرى.

وتظهر البيانات الصادرة عن البنوك السعودية للفترة بين عامي 2024 و2025 تغيرات جذرية في نمط التمويل، إذ ارتفعت بشكل كبير كل من المطلوبات المتبادلة بين البنوك المحلية والمطلوبات الخارجية، وهو ما يستوجب قراءة دقيقة للتداعيات المستقبلية لهذه التحولات.

فقد سجل إجمالي مطلوبات البنوك السعودية من البنوك الأخرى زيادة بنسبة 20 بالمئة، ليصل إلى نحو 110.6 مليارات ريال في عام 2025، مقارنة مع 92.1 مليار ريال في العام السابق. إلا أن هذه الزيادة لم تكن موزعة بالتساوي بين مختلف البنوك. فقد سجل بنك الرياض نمواً غير مسبوق في مطلوباته بنسبة 190 بالمئة، في حين قفزت مطلوبات بنك الاستثمار بنسبة 115 بالمئة. وعلى النقيض، شهدت بعض البنوك تراجعاً حاداً، أبرزها بنك بي إن إس أف بنسبة انخفاض بلغت 42 بالمئة، والبنك العربي الذي سجل انخفاضاً حاداً بنسبة 70 بالمئة.

من جهة أخرى، فإن المطلوبات التي تتحملها البنوك تجاه بنوك أخرى، سواء داخل المملكة أو خارجها، قد شهدت نمواً أكبر بكثير. فقد ارتفعت بنسبة 60 بالمئة، لتصل إلى 586.5 مليار ريال في عام 2025، مقارنة مع 367.6 مليار ريال في 2024. وقد سجلت بعض البنوك زيادات ضخمة، من أبرزها مصرف الراجحي الذي ارتفعت مطلوباته تجاه البنوك الأخرى بنسبة 140 بالمئة، والبنك الأول الذي قفز بنسبة 139 بالمئة. هذا التوسع في المطلوبات يعكس بوضوح اعتماداً متزايداً على الاقتراض من القطاع المصرفي المحلي والدولي بهدف تمويل خطط توسعية في الإقراض والاستثمار، لا سيما في المشروعات طويلة الأجل.

أما فيما يتعلق بالموجودات والمطلوبات الأجنبية، فقد شهد القطاع تحولاً هيكلياً كبيراً. ففي الربع الثاني من عام 2024، كانت البنوك السعودية تتمتع بفائض في صافي الموجودات الأجنبية بلغ 15.2 مليار ريال. إلا أن هذا الفائض تراجع بشكل متسارع على مدار الأرباع التالية، حتى تحول إلى عجز كبير بلغ 123.5 مليار ريال بنهاية الربع الثاني من عام 2025.

هذا التحول لم يكن نتيجة لانخفاض الموجودات الأجنبية، بل بالعكس، فقد ارتفعت من 349.5 مليار ريال إلى نحو 410 مليارات ريال. ولكن في المقابل، ارتفعت المطلوبات الأجنبية بوتيرة أسرع بكثير، إذ قفزت من 334.3 مليار ريال إلى 533.4 مليار ريال، أي بزيادة تقارب 199 مليار ريال. هذا يشير بوضوح إلى اعتماد متزايد على الاقتراض الخارجي أو الالتزامات تجاه مؤسسات مالية دولية، وقد يتضمن أيضاً إصدار أدوات دين موجهة للأسواق العالمية.

تتعدد العوامل التي تفسر هذا التغير في الهيكل التمويلي للقطاع المصرفي السعودي. أول هذه العوامل هو الطلب المتزايد على التمويل في ظل النشاط الاقتصادي المتسارع، والذي تقوده رؤية المملكة 2030 من خلال حزمة ضخمة من المشروعات الكبرى في قطاعات السياحة والبنية التحتية والطاقة والصناعة. هذا الزخم ولد حاجة غير مسبوقة إلى التمويل المصرفي، خصوصاً على صعيد القروض طويلة الأجل.

العامل الثاني يتمثل في أن الودائع المحلية، رغم نموها، لم تعد كافية لتلبية هذا الطلب المرتفع على التمويل. ويعود ذلك إلى أن معظم هذه الودائع قصيرة الأجل، في حين أن طبيعة القروض التي تقدمها البنوك هي طويلة الأجل، مما يخلق فجوة زمنية تمويلية يصعب ردمها بالموارد التقليدية.

أما العامل الثالث، فيكمن في حاجة البنوك المتزايدة إلى مصادر تمويل طويلة الأجل، ما يدفعها إلى التوجه نحو أسواق المال الدولية والمحلية، وكذلك إلى الاقتراض من البنوك الأخرى، بهدف تأمين مصادر تمويل مستقرة تدعم الخطط الاستثمارية الممتدة لسنوات.

العامل الرابع يتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، مما يجعل البنوك أكثر حرصاً على تنويع قنوات التمويل والابتعاد عن الاعتماد الزائد على السوق النقدي المحلي قصير الأجل، الذي يتسم بتقلبات سعرية مرتفعة نسبياً.

لكن في المقابل، فإن هذا التوسع في المطلوبات، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، يرافقه جملة من المخاطر التي قد تؤثر على استقرار القطاع المصرفي. فارتفاع الاعتماد على التمويل من البنوك الأخرى، خاصة الأجنبية، يزيد من تعرض البنوك لمخاطر تقلبات أسعار الصرف، ومخاطر إعادة التمويل، خصوصاً في حال تراجع السيولة العالمية أو تشديد السياسة النقدية في الأسواق الكبرى، أو حتى في حالات الاضطرابات الجيوسياسية.

كما أن فجوة الآجال الزمنية بين المطلوبات قصيرة الأجل والموجودات طويلة الأجل تمثل تحدياً جوهرياً لإدارة المخاطر في البنوك السعودية. فقد تواجه البنوك صعوبات كبيرة عند محاولة تجديد التمويلات أو في حال ارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما قد يؤثر سلباً على هامش الربح ويزيد من الضغط على جودة الأصول.

ومن زاوية أخرى، تعكس هذه التحولات الديناميكية إلى حد كبير طبيعة المرحلة التي يمر بها الاقتصاد السعودي، حيث يجري تنفيذ مشروعات ضخمة تتطلب تمويلاً طويل الأجل يفوق قدرة الودائع التقليدية على تلبيته. وفي هذا الإطار، تصبح البنوك مضطرة إلى تبني استراتيجيات تمويل أكثر تنوعاً تشمل إصدار السندات والصكوك، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة في أدوات الدين البنكية، وتوسيع قاعدة المستثمرين المحليين والدوليين.

ورغم أن هذه الاستراتيجية توفر للبنوك تمويلاً أطول أجلاً وأكثر استقراراً، إلا أنها في الوقت ذاته ترفع من ارتباط القطاع المصرفي السعودي بالتقلبات في أسواق المال العالمية، مما يستدعي إدارة حذرة لمحفظة الالتزامات، وتخطيطاً دقيقاً لهيكل التمويل.

كما أن استمرار الزيادة في مطلوبات البنوك تجاه بعضها البعض قد يعكس أيضاً تزايداً في عمليات الإقراض البيني لتلبية احتياجات السيولة الفورية، وهو ما قد يكون مؤشراً على تصاعد المنافسة على الموارد المالية في السوق المحلية.

ويأتي كل ذلك في وقت تتزايد فيه أهمية الحفاظ على هوامش الربح، في ظل ارتفاع تكاليف التمويل من جهة، وضغوط السوق من جهة أخرى. وإذا استمرت وتيرة الارتفاع في المطلوبات بالمعدلات الحالية، فمن المرجح أن يواصل صافي الموجودات الأجنبية تسجيل عجز أكبر، ما قد يضع ضغوطاً متزايدة على ميزان المدفوعات وعلى استراتيجية إدارة الاحتياطيات الأجنبية.

ورغم ما يتمتع به القطاع المصرفي السعودي من ملاءة مالية قوية وإشراف تنظيمي دقيق من قبل البنك المركزي السعودي (ساما)، إلا أن البيانات الحالية تفرض ضرورة التحرك المبكر نحو تعزيز أدوات التمويل طويلة الأجل، وإعادة هيكلة مصادر الأموال لتقليل الاعتماد على المطلوبات قصيرة الأجل، سواء من الداخل أو الخارج.

هذا الخبر برعاية

موضوعات متعلقة