الجمعة 26 سبتمبر 2025 04:14 مـ 3 ربيع آخر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

سامر شقير يكتب: الاقتصاد السعودي ينطلق بثقة بين تعافي النفط وتسارع التحول الوطني

الأربعاء 24 سبتمبر 2025 11:30 مـ 1 ربيع آخر 1447 هـ
الخبير الاقتصادي سامر شقير
الخبير الاقتصادي سامر شقير

يشهد الاقتصاد السعودي في عام 2025 لحظة متقدمة من التوازن والتحول. فبعد سنوات من الإصلاحات التدريجية والرهان الجريء على تنويع مصادر الدخل، نجد اليوم مسارين متوازيين يدفعان عجلة النمو. الأول يأتي من تعافي القطاع النفطي الذي استعاد زخمه بعد انتهاء التخفيضات الطوعية ضمن تحالف أوبك+، والثاني من استمرار صعود القطاعات غير النفطية التي باتت تمثل عمق الرؤية الاقتصادية الجديدة للمملكة. هذا التناغم بين المحركين يمنح الاقتصاد السعودي دفعة نوعية، ويمنحه ثقة في مساره نحو مستقبل أكثر استدامة وأقل تقلبًا.

التقديرات تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي قد يسجل نموًا يتجاوز 4.1% هذا العام، مع تفاؤل رسمي يصل إلى 4.6% حسب توقعات وزارة المالية. هذه الأرقام لا تعني فقط تحسنًا في المؤشرات، بل تعكس حالة من الثقة المتزايدة في جدوى السياسات الاقتصادية التي تم اتباعها خلال السنوات الأخيرة، خاصة ما يتعلق برفع الإنفاق الرأسمالي، وتنشيط القطاع الخاص، وتوسيع قاعدة التمويل والاستثمار

النفط لا يزال حاضرًا بقوة، بل ربما يمكن القول إنه عاد إلى الواجهة في هذه المرحلة، لكن مع اختلاف جوهري في طبيعة الدور الذي يلعبه. لم يعد النفط المصدر الوحيد للنمو، بل أصبح أحد الأدوات الداعمة في ظل بنية اقتصادية أكثر تنوعًا.

ارتفاع الإنتاج وتزايد الطلب العالمي ساهما في تحقيق إيرادات قوية للدولة، وهو ما انعكس على قدرة الحكومة على تنفيذ المشاريع الكبرى بوتيرة أسرع، إلا أن هذا التعافي النفطي يجب النظر إليه كفرصة وليس ضمانة. فالأسواق النفطية ستظل خاضعة لتقلبات سياسية ومناخية وتقنية لا يمكن التحكم فيها بالكامل، وهو ما يجعل استمرار الرهان عليه بشكل مفرط خطوة غير محسوبة.

في المقابل، تستمر القطاعات غير النفطية في ترسيخ مكانتها كمصدر رئيسي للنمو. فاليوم، أكثر من نصف الاقتصاد يأتي من خارج قطاع الطاقة. السياحة تسجل نموًا لافتًا، مدعومة بمبادرات مثل مواسم السعودية ومشاريع البحر الأحمر والقدية، وتسهيلات التأشيرات التي فتحت البلاد أمام الزوار من مختلف دول العالم. القطاع المالي والتقني يشهد حراكًا غير مسبوق، مدعومًا ببرامج مثل فنتك السعودية واستثمارات صندوق الاستثمارات العامة في التكنولوجيا والخدمات المصرفية الجديدة. الصناعة بدورها تحقق خطوات ملموسة في التوطين وزيادة المحتوى المحلي، خصوصًا في القطاعات الحساسة مثل الدفاع والطاقة المتجددة. في الوقت ذاته، تتقدم المملكة بخطى ثابتة لتصبح مركزًا لوجستيًا إقليميًا عبر تطوير بنيتها التحتية للنقل والموانئ والمطارات.

كل هذه المؤشرات تعزز القناعة بأن التحول الاقتصادي في السعودية لم يعد مجرد طموح مستقبلي، بل أصبح واقعًا يتحقق على الأرض. غير أن التحديات لا تزال قائمة، وربما ستتضح أكثر في الأعوام المقبلة، مع احتمالات تباطؤ النمو في 2026 و2027، نتيجة عوامل متعددة من أبرزها استمرار الاعتماد النسبي على النفط في تمويل الميزانية، والحاجة الماسّة إلى تسريع إصلاح سوق العمل بما يتلاءم مع احتياجات الاقتصاد الجديد. كما أن جذب الاستثمار الأجنبي ما زال يواجه بعض العقبات المرتبطة بالإجراءات والأنظمة، رغم التحسن الواضح في بيئة الأعمال.

ما تحقق حتى الآن هو إنجاز لا يمكن إنكاره، لكنه في ذات الوقت ليس نهاية الطريق. الحفاظ على هذا الزخم يتطلب مواصلة تنفيذ الإصلاحات بوتيرة متسارعة، والتركيز على القطاعات التي تضمن الاستدامة الحقيقية، مثل الابتكار، والتعليم، وريادة الأعمال، وتحقيق التوازن بين الطموحات التنموية والالتزامات البيئية. رؤية 2030 لم تكن وعدًا قصير المدى، بل مشروعًا متكاملًا لإعادة تعريف معنى الاقتصاد في السعودية، ومن الواضح أن الطريق بات مرسومًا، لكن الوصول إلى خط النهاية يتطلب نفس القدر من الالتزام والإصرار الذي ميّز السنوات الأولى من التحول.

الاقتصاد السعودي اليوم لا يعتمد على الحظ أو الظرف الدولي، بل على إرادة سياسية واضحة، واستراتيجية اقتصادية جادة، وأرضية خصبة للابتكار والنمو. والمطلوب في المرحلة القادمة ليس فقط الحفاظ على هذا المسار، بل تعزيزه وإعادة ضبطه باستمرار ليتماشى مع المتغيرات، دون فقدان البوصلة التي تقود إلى اقتصاد متنوع، منتج، وقادر على المنافسة في عالم يتغير بسرعة.