الجمعة 24 أكتوبر 2025 05:28 مـ 2 جمادى أول 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

ملكية الأجانب في السوق السعودية: خطوة أخيرة نحو الانفتاح الكامل

الخميس 23 أكتوبر 2025 01:11 مـ 1 جمادى أول 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

في مشهد يعكس ثقة متزايدة بالاقتصاد السعودي ونضج سوقه المالية، أعلن رئيس هيئة السوق المالية محمد القويز عن توجه الهيئة لمراجعة حدود ملكية الأجانب في السوق السعودية، والمحددة حاليًا بنسبة 10% للمستثمر الواحد و49% كإجمالي لملكية الأجانب. هذه الخطوة، إن تمت، ستكون بمثابة إزالة آخر الحواجز التي تفصل السوق السعودية عن الانفتاح الكامل على رؤوس الأموال الدولية.

منذ إطلاق رؤية السعودية 2030، عملت المملكة بشكل منهجي على بناء سوق مالية متطورة لا تكتفي بخدمة الاقتصاد المحلي، بل تسعى لتصبح محورًا ماليًا إقليميًا يخدم الشرق الأوسط والعالم الناشئ. واللافت أن هذا التحول لم يكن مجرد حزمة من القرارات التنظيمية، بل نتيجة رؤية متكاملة ترى في السوق المالية أداة حيوية لتنويع الاقتصاد وتحفيز الاستثمارات.


التحول من المحلية إلى الإقليمية

حديث القويز عن أن السوق السعودية “تتحول لخدمة المنطقة وبقية الأسواق الناشئة” ليس شعارًا، بل إشارة واضحة إلى المرحلة التالية من التطور المالي للمملكة.

فبعد أن أصبحت السوق من بين الأكبر في المنطقة بسيولة مرتفعة وشفافية متزايدة، يأتي الدور الآن لجذب شركات أجنبية لتتخذ من الرياض مقرًا لها وتدرج أسهمها في “تداول السعودية”.

هذه الخطوة لا تعني فقط زيادة في عدد الشركات، بل تعزيزًا في عمق السوق وارتباطها بالاقتصاد العالمي. ففتح حدود الملكية بالكامل هو الشرط المسبق والضروري لإقناع كبرى الشركات العالمية بالإدراج المزدوج في الرياض، إذ يبحث المستثمر الدولي عن حرية التداول والتسعير الموحد عبر المنصات المختلفة.

إصلاحات تمس جوهر السوق
اللافت في حديث القويز أيضًا هو التركيز على قضية تخصيص الأسهم في الاكتتابات الأولية. فقد شهدت الفترة الماضية انخفاضًا في النسبة المخصصة للأفراد، وهو ما انعكس على تراجع الطلب وحدوث اضطراب في السوق الثانوية. من هنا، تأتي مراجعة هذه النسب ليس فقط لضمان عدالة المشاركة، بل لحماية التوازن في السوق وتحقيق "تسعير أكثر كفاءة" (Price Discovery) يعتمد على التحليل المؤسسي لا على المضاربات قصيرة الأجل.

هذا النوع من الإصلاحات الدقيقة يدل على نضج تنظيمي وفهم عميق لديناميكيات السوق، إذ إن الهدف لم يعد مجرد زيادة الإدراجات، بل ضمان استدامة السيولة وتنوع المستثمرين.


نمو لافت في إدارة الأصول ورأس المال الجريء

النقطة الأخرى التي تستحق التوقف عندها هي نمو صناعة إدارة الأصول بنسبة 20% سنويًا لتصل إلى أكثر من 1.2 تريليون ريال، إلى جانب تضاعف حجم رأس المال الجريء والتمويل الخاص بأكثر من عشر مرات خلال خمس سنوات. هذه الأرقام لا تعكس فقط حيوية السوق، بل تكشف عن تحول نوعي في طريقة تفكير المستثمرين في السعودية — من التركيز التقليدي على الأسهم والعقار إلى الاستثمار في الابتكار وريادة الأعمال.

والأهم أن نمو هذا القطاع المؤسسي المحلي يوفر "المرساة" اللازمة لموازنة السوق وامتصاص الصدمات عند الانفتاح الكامل على التدفقات الأجنبية.


السوق السعودية كمنصة مالية عالمية

مفهوم “نظام الترخيص الخارجي” الذي أشار إليه القويز يمثل نقلة نوعية، لأنه يتيح للشركات السعودية ذات المقر الإقليمي تقديم خدماتها عبر الحدود، وهو ما يتماشى مع طموح المملكة بأن تصبح مركزًا ماليًا عالميًا ينافس كبرى العواصم الاقتصادية.
أما “الصناديق المبسطة” التي يجري العمل على تطويرها، فهي ابتكار تنظيمي جديد يستهدف فئة محددة من المستثمرين المحترفين، ما يعكس مرونة متزايدة في البنية القانونية للسوق واستيعابها لمختلف مستويات المخاطر والفرص.


تحديات النضج والطموح نحو "السوق المتقدمة"

بطبيعة الحال، هذا الانفتاح الكامل لا يأتي بلا تحديات. فزيادة الارتباط بالأسواق العالمية، رغم إيجابياته في جذب السيولة، يجلب معه تحدي "الأموال الساخنة" (Hot Money) التي قد تخرج بالسرعة ذاتها التي دخلت بها عند حدوث أي اضطرابات عالمية.

وهنا، لا يصبح النضج في "الجذب" فحسب، بل أيضًا في "إدارة" هذه التدفقات بمرونة وكفاءة عالية.
إن هذه الخطوة، في جوهرها، تمثل تمهيدًا ضروريًا للانتقال مستقبلاً من تصنيف "سوق ناشئة" (Emerging Market) إلى "سوق متقدمة" (Developed Market) ضمن المؤشرات العالمية الكبرى. وهذا التصنيف، إن تحقق، لا يعني فقط زيادة في حجم الاستثمارات، بل تحولًا نوعيًا في طبيعة التدفقات الرأسمالية طويلة الأجل الباحثة عن الاستقرار والنمو المستدام.


خلاصة القول

إن مراجعة حدود ملكية الأجانب ليست مجرد قرار فني أو تنظيمي، بل هي إعلان ثقة بالعالم، ورسالة بأن السوق السعودية باتت قادرة على المنافسة وفق قواعد الاقتصاد العالمي المفتوح.
هذه الخطوة، إلى جانب بقية التطويرات الجارية، ترسم ملامح مرحلة جديدة تتجاوز فكرة “السوق المحلية الكبيرة” إلى “السوق الإقليمية القائدة” والمنصة العالمية الواعدة.
السوق السعودية اليوم لا تنتظر المستثمرين فحسب، بل تصنع البيئة التي تجذبهم — بيئة أكثر نضجًا، انفتاحًا، وتوازنًا بين الطموح والانضباط.


وبينما كانت الحدود في السابق تحمي السوق، فإن إزالتها اليوم تعني أنها أصبحت قوية بما يكفي لتقف بثقة أمام العالم.

موضوعات متعلقة