تحولات السوق العقاري السعودي: رؤية 2030 واندفاع الاستثمار في الرياض
يمر المشهد العقاري في المملكة العربية السعودية بتحول استراتيجي غير مسبوق، مدفوعًا بـرؤية 2030 الطموحة وبالإقبال القياسي من المستثمرين المحليين والدوليين.
وقد تجسّد هذا الزخم بوضوح خلال فعاليات معرض سيتي سكيب العالمي 2025 في الرياض، الذي يُعد المعرض العقاري الأكثر حضورًا في العالم، والمقام تحت شعار "مستقبل الحياة الحضرية".
يشكل سيتي سكيب الرياض منصة محورية لا لعرض المشاريع فحسب، بل لتفعيل الشراكات الضخمة وتحديد مسار التنمية العمرانية المستدامة في المملكة.
أولاً: الأرقام القياسية: حجم الصفقات ومحفزات النمو
كشف معرض سيتي سكيب 2025 عن حجم استثماري غير مسبوق، مما يعكس قوة وحيوية السوق العقارية السعودية.
* حجم الاستثمار القياسي: تجاوزت قيمة الاتفاقيات والصفقات العقارية المعلنة في أول يومين من المعرض 161.2 مليار ريال سعودي (أكثر من 43 مليار دولار). هذا الرقم يؤكد قوة السوق ويجسد التطور العمراني والمعماري والاقتصادي الذي وصلت إليه المملكة، وفقًا لتأكيد وزير البلديات والإسكان السعودي، ماجد بن عبدالله الحقيل.
* الإعلانات الكبرى: شهد المعرض إطلاق مشاريع ضخمة، أبرزها:
* إعلان الشركة الوطنية للإسكان (NHC) عن مشروعات تتجاوز قيمتها 26 مليار دولار.
* إطلاق مشروع "حياة" لـ "ماونتن فيو السعودية" في الرياض بالشراكة مع NHC، باستثمارات تتجاوز 28 مليار جنيه مصري.
* إعلان شركة رتال للتطوير العمراني عن محفظة مشاريع جديدة بقيمة 3.1 مليار دولار.
* إطلاق "دار" و"إعمار" مشروعين سكنيين بقيمة 3.8 مليار ريال في الرياض.
تشير هذه الصفقات إلى تحول القطاع العقاري السعودي إلى قطاع رقمي، يتبنى حلول PropTech، والذكاء الاصطناعي، وأساليب البناء الحديثة.
ثانياً: التحول التشريعي وفتح آفاق الاستثمار الأجنبي
يرتكز النمو الحالي على إصلاحات تشريعية تهدف إلى تعزيز الثقة وتوسيع قاعدة المستثمرين.
* تشريعات التملك الأجنبي: يُعد الإعلان عن قانون جديد يفتح المجال أمام تملك الأجانب للعقارات في مناطق محددة اعتبارًا من عام 2026 نقطة تحول كبرى، حيث من المتوقع أن يحفز ذلك تدفقات الاستثمار الدولي.
* مساهمة القطاع في الناتج المحلي: بلغت مساهمة أنشطة التشييد والبناء والعقار 13.8% من الناتج المحلي الإجمالي حتى الربع الثاني من عام 2025. كما شكلت التدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعي التشييد والبناء والأنشطة العقارية 15.27% من إجمالي التدفقات الوافدة للمملكة في عام 2024.
* نمو التمويل العقاري: وصل حجم القروض العقارية للأفراد والشركات إلى نحو 961 مليار ريال حتى الربع الثاني 2025، مما أسهم في رفع نسبة تملك المواطنين للمساكن إلى أكثر من 65% بنهاية 2024.
* الشفافية في السوق: تعمل الهيئة العامة للعقار على إطلاق ثلاثة مؤشرات رئيسية (التضخم السعري، معدل الإيجار للدخل، ونسبة الشواغر) خلال عام 2026، لتمكين المستثمرين من متابعة التوازن السعري وفهم حركة السوق بدقة أكبر.
ثالثاً: تحليل السوق المحلي: التركيز على شمال الرياض
تتجه الأنظار الاستثمارية والشركات العقارية، مثل "مدى العقارية"، نحو شمال الرياض كأيقونة للنمو والفخامة، مما جعله محركًا أساسيًا للسوق.
* محركات القيمة: تعتمد منهجيات التحليل على أربعة محاور أساسية لتحديد القيمة المستقبلية للأحياء: محركات النمو المستقبلية (مثل القرب من "حديقة الملك سلمان" و"مترو الرياض")، جودة الحياة والخدمات، مقاييس القيمة العقارية، والسمعة والهوية الاجتماعية.
* أداء الأحياء البارزة (2025):
* حي النرجس: يُعتبر "نجم الشمال الصاعد" والأكثر طلبًا وجاذبية، ويقدم فرصة استثمارية ذهبية لنمو رأس المال المستمر.
* حي الملقا وحطين: يمثلان عنوان الفخامة التقليدية واستثمارًا آمنًا للحفاظ على قيمة رأس المال، حيث أسعار العقارات هي الأعلى وتتميز بالاستقرار.
* حي القيروان والياسمين: يمثلان الامتداد الطبيعي للتوسع العمراني الراقي، وأسعارهما مرشحة لتحقيق قفزات نوعية مع اكتمال المشاريع المحيطة.
* نموذج التطوير الحضري: تركز المشاريع الجديدة على نموذج تطوير حضري يرتكز على جودة الحياة والاستدامة وبناء مجتمعات متكاملة، كما يظهر في مشروع "حياة" الذي يركز على الخصوصية والارتباط الاجتماعي.
رابعاً: دور الوساطة العقارية كشريك استراتيجي
في ظل هذا السوق الديناميكي، تحول دور شركة الوساطة العقارية (البروكر) من مجرد مبيعات إلى شريك استراتيجي يعتمد على التحليل المتقدم.
* "مدى العقارية" كنموذج استشاري: برزت "مدى العقارية" كشركة تعتمد على نهج استشاري متكامل.
إنها تستخدم أنظمة رقمية متطورة لتحليل حركة السوق وتقديم استشارات دقيقة لعملائها، مما يميزها بالشفافية والمصداقية.
* التركيز على الاستثمار التجاري والإداري: إلى جانب الوحدات السكنية (مثل برج هورايزن وبرج راية)، تسوق "مدى" مشاريع تجارية وإدارية حيوية مثل برج العوالي في الملقا، ومشروعي المقبل 1026 في قرطبة، واليرموك 1004 في اليرموك.
* العائد الاستثماري التجاري: تُقدر تقديرات السوق العائد السنوي لتملك المكاتب التجارية في الرياض بين 5% و 8%، خاصة في المناطق الشمالية والوسطى.
خلاصة تحليلية
إن السوق العقاري السعودي، والمتمثل في قلب العاصمة الرياض، يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تتسم بـالضخامة الاستثمارية والعمق التشريعي. وقد أكد معرض سيتي سكيب العالمي 2025 أن التنمية العمرانية لم تعد مجرد بناء، بل هي صناعة لـ "مدن ذكية ومجتمعات حضرية تتمحور حول الإنسان".
تتجه رؤوس الأموال نحو الأحياء التي تضمن أعلى جودة حياة وأفضل نمو رأسمالي، مدعومة ببيئة وساطة عقارية تتحول إلى شريك استراتيجي يستخدم التقنية والتحليل لضمان صفقات مستدامة.












