سامر شقير يكتب: وصول رقائق إنفيديا إلى ”هيوماين”.. انتقال السعودية من ”استهلاك” التقنية إلى ”إنتاج” قدراتها
لم يعد الحديث عن الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية مجرد طموحات مستقبلية أو حبر على ورق، بل تحول إلى واقع ملموس مدعوم بأقوى البنى التحتية التقنية عالمياً. ويأتي استقبال شركة "هيوماين" (Humane) السعودية لأول شحنة من أحدث رقائق "إنفيديا" لمعالجة الرسومات، ليمثل نقطة تحول مفصلية في هذا المسار؛ إذ تنتقل الرياض بهذه الخطوة من مرحلة التخطيط للتحول الرقمي إلى مرحلة امتلاك "المحركات" الفعلية القادرة على تشغيل هذا التحول وإدارته محلياً.
فلسفة المعالجة: الفارق بين السرعة الفردية والعمل الجماعي
لفهم القيمة الاستراتيجية لهذه الشحنة، علينا النظر إلى ما هو أبعد من مجرد كونها قطعاً إلكترونية متطورة، والتعمق في الفارق الهندسي بين المعالجات التقليدية (CPU) وتلك التي وصلت حديثاً (GPU). فبينما صُممت المعالجات التقليدية لتعمل بعقلية "المهندس المنفرد" الذي ينجز المهام المعقدة ببراعة وسرعة فائقة لكن بتسلسل واحد تلو الآخر، تأتي رقائق إنفيديا لتعمل بمنطق "الفريق المتكامل"؛ فهي تعتمد على تقنية المعالجة المتوازية التي تتيح إجراء ملايين العمليات الحسابية في اللحظة ذاتها، مفضلةً بذلك حجم الإنتاجية الهائلة (Throughput) على سرعة الاستجابة اللحظية (Latency)، وهو التغيير الجوهري الذي تتطلبه المرحلة الحالية.
الضرورة التقنية: لماذا تحتاج النماذج الذكية إلى مسارات متوازية؟
تكتسب هذه القدرة الحوسبية المتوازية أهميتها القصوى عند التعامل مع أحمال الذكاء الاصطناعي الحديثة؛ فتدريب النماذج اللغوية الكبيرة أو إجراء عمليات المحاكاة العلمية الدقيقة لا يتطلب سرعة في نقل البيانات فحسب، بل يتطلب قدرة استيعابية ضخمة لمعالجة مصفوفات رياضية معقدة في آن واحد. وهنا يبرز التشبيه الأقرب لتبسيط المشهد: إذا كانت المعالجات التقليدية أشبه بسيارة سباق تنقل راكبين بسرعة خيالية، فإن الرقائق الجديدة بمثابة قطار شحن عملاق ينقل آلاف الأطنان من البيانات دفعة واحدة إلى وجهتها، وهو بالضبط ما تحتاجه البنية التحتية لشركة "هيوماين" لبناء وتشغيل نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على المنافسة والكفاءة.
الأثر الاقتصادي: تعزيز البنية التحتية للاقتصاد الرقمي
وصول هذه التقنية إلى مخازن "هيوماين" لا يخدم الجانب التقني فحسب، بل يحمل دلالات اقتصادية عميقة؛ فهو يؤسس لقاعدة صلبة تتيح للمملكة استضافة ومعالجة البيانات الضخمة محلياً بدلاً من الاعتماد على مراكز بيانات خارجية. هذا "التوطين" للقدرات الحوسبية هو حجر الزاوية في بناء اقتصاد رقمي مستدام، حيث تتحول البيانات من مجرد أرقام خام إلى أصول استثمارية، وتتحول الشركات الوطنية من مستهلكين للحلول التقنية إلى مطورين ومشغلين لها، مما يعزز مكانة الرياض كمركز ثقل إقليمي في خارطة الاقتصاد الجديد.












