صناعة الصلب الأوروبية على حافة الانهيار.. ضغوط صينية ورسوم أمريكية تدفع بروكسل إلى التحرك

أطلقت شركات صناعة الصلب الأوروبية تحذيرات شديدة اللهجة من مستقبل قاتم يهدد القطاع، وسط تزايد الضغوط الناتجة عن تدفق الواردات الصينية الرخيصة، واستمرار الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. ودعت تلك الشركات المفوضية الأوروبية إلى التدخل العاجل، من خلال فرض رسوم مماثلة لتلك التي تطبقها الولايات المتحدة، لحماية الصناعة من الانهيار.
وقالت إيلزه هنّه، المسؤولة التنفيذية البارزة في مجموعة "تيسنكروب" الألمانية، في تصريحات نشرتها صحيفة فايننشال تايمز: "نحن بحاجة إلى الحماية، وإلا فإن صناعة الصلب الأوروبية لن تتمكن من البقاء". وأضافت بصفتها رئيسة مجلس الإشراف على قسم الصلب في "تيسنكروب"، أن حجم الواردات لا يزال في ارتفاع، رغم ضعف الطلب المحلي.
تهديد مزدوج.. الواردات الصينية والرسوم الأمريكية
ورغم أن القطاع كان يواجه تحديات كبيرة منذ سنوات، نتيجة المنافسة مع الصلب الصيني منخفض التكلفة وارتفاع أسعار الطاقة، إلا أن الأوضاع تفاقمت هذا العام بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 50% على واردات الصلب الأوروبية. وأدى هذا الإجراء إلى مخاوف متزايدة من تحوّل الشحنات الصينية إلى الأسواق الأوروبية بعد إغلاق السوق الأميركية أمامها.
ورفضت هنّه تحديد نسبة محددة للرسوم التي يجب فرضها على واردات الصلب إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنها شددت على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة لحماية الصناعة، التي تعتبر ركيزة رئيسية لقطاعات صناعية أخرى مثل صناعة السيارات. وقالت: "هل نريد الاستمرار في إنتاج السيارات في أوروبا باستخدام صلب أوروبي عالي الجودة؟ إذا كانت الإجابة نعم، فعلينا اتخاذ قرارات واضحة لحماية هذا القطاع".
دول أوروبية تضغط... وبروكسل تستعد للتحرك
في مواجهة هذا التهديد، اقترحت فرنسا ومعها عشر دول أوروبية أخرى، من بينها إيطاليا وإسبانيا، فرض رسوم بنسبة 50% على واردات الصلب التي تتجاوز مستويات محددة، بهدف تقليص الكميات إلى النصف، في خطوة تستهدف تقليل الاعتماد على الخارج وضمان استقرار السوق المحلية.
كما طالبت هذه الدول بتطبيق قاعدة "الذوبان والصب" التي تعتمدها الولايات المتحدة، والتي من شأنها منع دخول الصلب الصيني من خلال دول وسيطة يتم من خلالها الالتفاف على الرسوم الجمركية.
أرقام مقلقة وخسائر مستمرة
وبحسب اتحاد منتجي الصلب الأوروبي "يوروفر"، فإن القطاع خسر نحو 18 ألف وظيفة خلال عام 2024 وحده، ليرتفع عدد الوظائف المفقودة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 إلى أكثر من 90 ألف وظيفة. كما استورد الاتحاد الأوروبي نحو 28 مليون طن من الصلب العام الماضي، وهو ما يمثل ربع المبيعات الأوروبية، ويعادل ضعف الكميات التي كانت تُستورد في عامي 2012 و2013، حين بدأت الصين التوسع في تصدير المعدن.
ويتوقع المصنعون الأوروبيون أن يخسروا معظم صادراتهم البالغة 3.8 مليون طن سنويًا إلى الولايات المتحدة، نتيجة الرسوم الأميركية الجديدة التي لم تُخفف بعد رغم اتفاق إطار تجاري تم التوصل إليه بين الجانبين في يوليو الماضي.
مقترحات أوروبية جديدة لحماية الصناعة
وفي رسالة حديثة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، طالب "يوروفر" باعتماد نظام حصص للواردات المعفاة من الرسوم الجمركية، مع فرض رسوم عالية ورادعة على الكميات التي تتجاوز تلك الحصص. وقال الاتحاد في رسالته: "من المستبعد جداً أن تمنح الولايات المتحدة أي إعفاءات جوهرية في المستقبل القريب. ولذلك يجب على أوروبا أن تتحرك بسرعة لحماية صناعة الصلب من الانهيار".
وأكد الاتحاد أن فرض آلية حماية أوروبية قائمة على الطاقة الإنتاجية سيمنح صناعة الصلب فرصة للاستمرار في مسار إزالة الكربون، كما سيعزز موقع الاتحاد الأوروبي كمشارك جاد في الجهود الدولية لمعالجة مشكلة فائض الإنتاج العالمي.
المفوضية تعد بإجراءات جديدة
من جهتها، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها تنوي إصدار لائحة تنظيمية جديدة قبل نهاية الربع الجاري لتقييد حجم واردات الصلب إلى الاتحاد الأوروبي. وأوضح أولوف غيل، المتحدث باسم المفوضية، أن بروكسل تجري محادثات مستمرة مع واشنطن حول إنشاء نظام حصص جمركية لصادرات الصلب والألمنيوم الأوروبية، إلا أن التقدم لا يزال محدودًا.
ويخضع قطاع الصلب، الذي يُعتبر أحد أعمدة الصناعة الألمانية، لإعادة هيكلة قاسية، حيث أعلنت "تيسنكروب" عن خطط لتقليص طاقتها الإنتاجية وخفض عدد موظفيها بنحو 11 ألف وظيفة، في محاولة للبقاء في سوق ي
زداد فيها الضغط من جميع الجهات.