حين تصبح الجمارك سلاحاً.. استراتيجية ترامب تصنع اقتصاداً مختلفاً

الرسوم الجمركية التي تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على فرضها خلال الفترة الماضية، أثارت الكثير من الجدل والتوترات في الأسواق الدولية، وبدا أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال متماسكاً، بل ويشهد نمواً، رغم التحذيرات السابقة من دخول البلاد في ركود اقتصادي عميق.
ومع استمرار ترامب في الترويج لسياسته التجارية المتشددة، أظهرت الأسواق المالية – وعلى رأسها وول ستريت – قدرة على التكيّف، حيث أصبحت تتجاهل في الغالب تأثير الرسوم الجديدة.
في تقرير لشبكة "ABC News"، أوضح عدد من الخبراء أن التهديدات المتواصلة بفرض رسوم إضافية عمقت حالة عدم اليقين في الأسواق، لكنها في الوقت نفسه وفّرت للمحللين الاقتصاديين فرصة لتقييم جدوى هذه الإجراءات بعد فترة من التطبيق العملي.
انقسام بين مؤيدين ومعارضين
انقسمت آراء الخبراء بين من رأوا في الرسوم الجمركية وسيلة ناجعة لجذب استثمارات صناعية جديدة وتعزيز الإيرادات الضريبية، ومن حذروا من انعكاسات سلبية محتملة على المدى الطويل، لا سيما أن التزامات الشركات الكبرى ببناء منشآت إنتاج جديدة داخل الولايات المتحدة لا تزال، في كثير من الحالات، وعوداً قابلة للتراجع إذا تغيرت السياسات فجأة.
ورغم أن بعض الشركات، مثل "أبل"، "نفيديا"، "ميرك"، و"هيونداي"، تعهدت بضخ استثمارات في الداخل الأمريكي لتفادي أعباء الرسوم، يرى البروفيسور ماتياس فيرنينجو من جامعة "باكنيل" أن كثيراً من هذه الالتزامات "جزء من صفقة سياسية" أكثر منها خططاً استثمارية راسخة.
رسوم تاريخية وتضخم محدود
وتشير بيانات "مختبر الموازنة بجامعة ييل" إلى أن الرسوم الفعلية المفروضة على المستهلكين الأمريكيين تبلغ حالياً نحو 20.6%، وهي الأعلى منذ عام 1910.
كما أعلن ترامب مؤخراً عن خطط لفرض رسوم تصل إلى 50% على عشرات الدول، من بينها 25% على شركاء رئيسيين مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
في المقابل، ساهمت هذه الرسوم في زيادة الإيرادات الضريبية للحكومة الأمريكية، إذ حققت حصيلة قياسية الشهر الماضي بنحو 27 مليار دولار، فيما تجاوزت الإيرادات الإجمالية منذ بداية العام 100 مليار دولار، وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية.
ويتوقع مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في "موديز أناليتيكس"، أن تصل هذه العائدات إلى 300 مليار دولار بنهاية عام 2025، أي ما يعادل نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي، ما قد يسهم في تقليص العجز المالي.
تأثيرات متفاوتة على الأسعار
وبالرغم من المخاوف السابقة من أن تؤدي الرسوم إلى موجة تضخم، أظهرت البيانات أن أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 2.7% في يونيو مقارنة بالعام الماضي، وهو ما جاء متوافقاً مع توقعات الاقتصاديين.
ويُرجع بعض المحللين هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار عدد محدود من السلع المرتبطة بالواردات، ما يشير إلى أن تأثير الرسوم على التضخم لا يزال محدوداً حتى الآن.
بيئة ضبابية للشركات
يبقى التحدي الأكبر في تقلب سياسات ترامب المتعلقة بالتجارة، إذ تسببت التعديلات المستمرة في خلق بيئة غير مستقرة للشركات، خصوصاً مع صدور قرارات قضائية في مايو الماضي أثارت تساؤلات قانونية حول مدى شرعية بعض هذه السياسات.
ورغم كل الجدل الدائر، فإن إدارة ترامب تروج لهذه الرسوم باعتبارها حجر أساس في استراتيجية "أمريكا أولاً"، التي تهدف إلى إعادة توطين الصناعات وتحديث البنية التحتية وتعزيز الأمن الاقتصادي القومي.