الخميس 4 سبتمبر 2025 06:26 مـ 11 ربيع أول 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

المولد النبوي.. بين قدسية المناسبة وروح الاحتفالات الشعبية

الخميس 4 سبتمبر 2025 12:05 مـ 11 ربيع أول 1447 هـ
المولد النبوي الشريف
المولد النبوي الشريف

تحل ذكرى المولد النبوي الشريف في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام، مناسبةً دينية وروحانية عميقة، يستحضر فيها المسلمون في أنحاء العالم ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بما يحمله من معانٍ إنسانية وقيم سامية.

وفي مصر على وجه الخصوص، اكتسبت هذه المناسبة بعدًا ثقافيًا وتراثيًا متجذرًا عبر العصور، انعكس في أشكال احتفالية متوارثة، أبرزها عروسة وحصان المولد، اللذان ارتبطا بالوجدان الشعبي وأصبحا جزءًا أصيلًا من الهوية المصرية.

يؤكد الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، أن مصر تنفرد بين الدول الإسلامية بخصوصية احتفالاتها بالمولد، حيث ترجع بعض مظاهرها إلى العصر الفاطمي، ومنها صناعة الحلوى وتشكيل العرائس والأحصنة لإدخال البهجة على الأطفال.

ويشير إلى أن هذا التراث اللامادي يستحق التسجيل في منظمة "اليونسكو" كقيمة عالمية استثنائية.

وتعددت الروايات حول أصل "عروسة المولد" و"حصانه"، فهناك من يربطها بالأساطير المصرية القديمة مثل قصة إيزيس وأوزوريس، حيث يستوحى الحصان من هيئة الإله "حورس" الممسك بسيفه لمحاربة الشر، بينما تعكس ألوان العروسة جناحي إيزيس الزاهيين.

ومع مرور الزمن، تحولت هذه الرموز إلى تعبير عن وحدة المصريين، إذ كان المسلمون والمسيحيون يشاركون معًا في صناعة حلوى المولد والاحتفال بها، خصوصًا مع ريادة الأقباط في صناعة السكر منذ القرن التاسع عشر.

وفي العصر الفاطمي، اهتم الحكام بإحياء هذه الطقوس، فأنشأوا مخازن للحلوى لتوزيعها مجانًا على الشعب، ثم ظهرت الأسواق المخصصة لبيعها مثل "سوق الحلويين".

أما في الحملة الفرنسية، فقد وثّقت المصادر احتفالات ضخمة في الأزبكية، حيث أقيمت السرادقات وحلقات الذكر، وكان الخليفة يخرج بموكب رسمي، وهي الأجواء التي ساعدت على ترسيخ تقليد عروسة وحصان المولد في المخيلة الشعبية.

وفي العصور المملوكية والعثمانية، أصبحت القلعة مركزًا رئيسيًا للاحتفال، حيث كانت تنصب "خيمة المولد" الضخمة ويُقدّم فيها الماء المحلى بالسكر والليمون، وتوزع الحلوى والحبوب على العامة، بينما يتنافس القراء والمنشدون في إحياء الليالي.

أما اليوم، فما زال شارع "باب البحر" في القاهرة يعد معقل صناعة حلوى المولد، وإن كانت طرق الإنتاج قد تطورت لتصبح أكثر عصرية وملتزمة بالمعايير الصحية.

وتحولت العروسة من الحلوى الهشة إلى أشكال بلاستيكية وخشبية وزجاجية وحتى إلكترونية مضيئة، لكن النسخة التقليدية المصنوعة من السكر الوردي ما تزال تحتفظ بمكانتها الخاصة في ذاكرة الأجيال.

ورصد العديد من الرحالة والباحثين هذه الظاهرة المميزة، إذ وصفوا مشاهد الاحتفالات في مصر بأنها كانت تجذب جميع فئات المجتمع، مسلمين ومسيحيين، من الأمراء حتى العمال والفلاحين، في لوحة تعكس وحدة النسيج الاجتماعي.

وفي العصر الحديث، لا تزال الدولة المصرية تحتفي بالمولد النبوي الشريف من خلال أنشطة متعددة، حيث ينظم الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ندوات وخطبًا عن السيرة النبوية، فيما تقيم وزارة الثقافة احتفالات فنية ومعارض، وتعرض المتاحف قطعًا أثرية مرتبطة بالمناسبة.

كما يواصل الأهالي في الريف والصعيد إحياء الليالي بالإنشاد والمديح حتى ساعات الفجر، ليظل المولد النبوي الشريف في مصر مناسبة دينية وثقافية متجددة الجذور عبر التاريخ.