الأحد 7 سبتمبر 2025 03:11 صـ 14 ربيع أول 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

المالية العامة أولًا: رؤية سعودية في مواجهة التقلبات

الخميس 4 سبتمبر 2025 02:36 مـ 11 ربيع أول 1447 هـ
سامر شقير
سامر شقير

في مشهد غير معتاد، تواصل عوائد السندات طويلة الأجل في الأسواق العالمية ارتفاعها، على الرغم من أن التوقعات كانت تشير إلى قرب دخول البنوك المركزية الكبرى في دورة تيسيرية.
هذه المفارقة تكشف عن حالة قلق متصاعدة لدى المستثمرين بشأن الأوضاع المالية الحكومية، حيث أصبح الانضباط المالي أكثر تأثيرًا في حركة الأسواق من السياسة النقدية وحدها.

​هيمنة العجز المالي

حاليا، ​الاقتصادات الكبرى تعيش حالة من الاعتماد المفرط على الديون، إذ تتزايد الإصدارات الحكومية بوتيرة غير مسبوقة لتمويل الإنفاق، ما يدفع المستثمرين للمطالبة بعوائد أعلى تعكس حجم المخاطر. هذا التحول يعكس بداية مرحلة جديدة من "هيمنة المالية العامة" على الأسواق، حيث أصبح عجز الموازنات وأحجام الدين محركًا رئيسيًا لقرارات المستثمرين، مما يضع ضغوطًا إضافية على البنوك المركزية.

​دروس من التاريخ

​المشهد الحالي ليس سابقة تاريخية. فخلال سبعينيات القرن الماضي، فشلت محاولات الفيدرالي الأمريكي في السيطرة على التضخم، لتظل العوائد مرتفعة رغم السياسات النقدية المشددة.

كما أثارت أزمة "نوبة التيسير الكمي" عام 2013 قفزة مفاجئة في العوائد طويلة الأجل لمجرد التلميح بخفض مشتريات السندات.. أما أزمة السندات البريطانية عام 2022، فقد أبرزت كيف يمكن للسياسات التوسعية غير المدروسة أن تؤدي إلى اضطرابات حادة في الأسواق.

​السعودية لاعب رئيسي

​ترتبط أسواق المال السعودية بشكل وثيق بالأسواق العالمية نظرًا لربط الريال بالدولار، لكنها ليست مجرد متأثرة بما يحدث، بل أصبحت لاعبًا نشطًا عبر إصدارات صكوك وسندات بمليارات الدولارات لدعم مشاريع "رؤية 2030".
هذه الإصدارات، إلى جانب تصنيفات ائتمانية قوية واحتياطيات مالية ضخمة، تجعل المملكة في موقع قوة يتيح لها استيعاب الضغوط وتحويلها إلى فرص.

​استراتيجية متوازنة لمواجهة التحديات

​السعودية تبنت نهجًا متقدمًا في إدارة الدين العام، يجمع بين تنويع مصادر التمويل وجذب استثمارات أجنبية مباشرة لتقليل الاعتماد على الاقتراض. كما يساهم صندوق الاستثمارات العامة، أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، في تعزيز الثقة بالاقتصاد السعودي وقدرته على تمويل مشاريع التحول الاقتصادي.

​رسالة الأسواق للحكومات

​تؤكد التطورات الأخيرة أن الأسواق باتت أكثر حساسية تجاه سياسات الإنفاق والانضباط المالي، وأن البنوك المركزية لم تعد الأداة الوحيدة لضبط التوازنات الاقتصادية.
في هذا السياق، تقدم السعودية نموذجًا متماسكًا لدولة تنفذ خططًا طموحة بثقة، وتجمع بين الرؤية الاقتصادية الشاملة والسياسة المالية المسؤولة، ما يجعلها في موقع استراتيجي متقدم وسط المشهد العالمي المتقلب.

​فرص واعدة للمستثمرين في بيئة الانضباط المالي

​بالنسبة للمستثمرين، فإن هذا التحول نحو "هيمنة المالية العامة" والانضباط المالي يوفر فرصًا جديدة ومهمة.
ففي الوقت الذي تعاني فيه بعض الاقتصادات الكبرى من تزايد العجز والديون، ما يؤدي إلى ارتفاع المخاطر وعدم اليقين، تبرز الدول ذات الانضباط المالي القوي كالمملكة العربية السعودية كملاذات استثمارية أكثر جاذبية.

العوائد المرتفعة على السندات في هذه الدول، مدعومة بسياسات مالية مسؤولة وتصنيفات ائتمانية قوية، تقدم للمستثمرين فرصًا لتحقيق عوائد مجزية مع مخاطر أقل نسبيًا.

كما أن الشفافية في إدارة الدين العام والتركيز على مشاريع التنمية طويلة الأجل تعزز من ثقة المستثمرين وتفتح الباب أمام استثمارات مستقرة ومستدامة في قطاعات حيوية، مما يجعلها خيارًا مفضلًا في بيئة اقتصادية عالمية متقلبة.